"بابا عيشور" و"الشعالة".. طقوس المغاربة لإحياء عاشوراء

30 سبتمبر 2017
شراء الآلات الإيقاعية من أجل الاحتفال (تويتر)
+ الخط -

"عواشر مبروكة.. علينا وعليك"، بهذه الجملة يبدأ المغاربة، منذ مطلع شهر المحرم ودخول السنة الهجرية الجديدة، تهنئة بعضهم، احتفالا بيوم عاشوراء، الذي يحظى باهتمام خاص لدى الناس في الشارع المغربي. عاشوراء أو "العواشر"، كما يسميها المغاربة، تصادف اليوم العاشر من شهر المحرم، حسب التقويم الهجري، وهو يوافق في المغرب يوم الأحد (مطلع أكتوبر/تشرين الثاني) لهذا العام الميلادي.

والاحتفالات بعاشوراء في المغرب تتميز بطقوس وعادات خاصة تتوارثها الأجيال، ومازال إحياؤها قائما حتى اليوم في معظم المدن والقرى. وهذه الطقوس الخاصة؛ منها ما هو مستوحى من الموروث الديني، وأخرى خالدة من وحي الذاكرة التراثية الشعبية، التي أبدعها المغاربة منذ مئات السنين.

مائدة عاشوراء

تحرص فئة كبيرة من المغاربة، مع حلول مناسبة عاشوراء، على تزيين موائد الأكل المغربية بأصناف مختلفة ومتوارثة من الطعام. بالفواكه المجففة، والفستق، واللوز، والجوز، والحمص، والتمور، تتزين مائدة عاشوراء، وتستقبل الضيوف، كما تُوزع الأطعمة ذاتها على الأطفال في بعض الأحياء الشعبية، تحت مسمى "حق بابا عيشور".

ولا يكتمل الاحتفال عند المغاربة بدون طبق الكسكس المغربي بالقديد (لحم مُملح) الذي يُحتفظ به منذ عيد الأضحى خصيصا لطهيه في هذا اليوم، وطبق "الرفيسة بالدجاج" (طعام من خبز مفتوت ومرق). وفي البوادي المغربية والأحياء الشعبية يبرز طقس احتفالي مبتهج، يتمثل في إيقاد "شعالة (شعلة) عاشوراء".



الشباب لهم طقوس أيضا، إذ يشعل بعضهم النار باستخدام أغصان الأشجار، على وقع ترديد أهازيج شعبية من قبيل "عيشوري عيشوري دليت عليك شعوري"، في جو احتفالي يجتمع فيه الأطفال بكثرة. ويوم عاشوراء الذي يسميه المغاربة "يوم زمزم"، يشهد معارك مرِحة لتبادل الرش بالماء، وينخرط فيها أهل الأحياء الشعبية؛ رجالا ونساء وأطفالا. و"زمزم عاشوراء" هي مياه عادية، إلا أنها تُقرن بهذا الاسم، لإضفاء نوع من القدسية الدينية الخاصة عليها.

شراء التمور والفواكه المجففة لتزيين المائدة (Getty)



 وتبرز في يوم عاشوراء، شخصية "بابا عيشور" الأسطورية، ويختلف اسمها من منطقة لأخرى في المغرب من دون أي معرفة لأصلها أو الشخص المقصود بها. وفي السنوات الأخيرة، لوحظ تجسيد هذه الشخصية التراثية الافتراضية في بعض المدن، إذ يرتدي أشخاص ملابس تقليدية يطغى عليها اللونان الأزرق والبرتقالي. ويرمز اللون الأزرق إلى الماء الذي يحضر بقوة في هذه المناسبة، بينما يرمز البرتقالي إلى النار المعروفة في احتفالات "شعالة".

وملابس شخصية "بابا عيشور" تتمثل في سروال فضفاض يظهر أسفله الخف (حذاء) التقليدي، ويغطى بالقفطان فالسلهام الأنيق (العباءة)، في حين تعلو رأسه قبعة عالية مزركشة، إضافة إلى المحفظة والعكاز.

ويبقى "عاشوراء" في المغرب يوما مميزا بالنسبة للأطفال، بعد أن توارث المغاربة اقتناء الدمى والألعاب لأطفالهم، كمظهر من مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة. كريم الغندوري (45 سنة)، بائع ألعاب أطفال في حي يعقوب المنصور في العاصمة الرباط، يقول لـ"الأناضول" إن غالبية الآباء يفضّلون اقتناء "مسدّسات الماء" لأطفالهم الذكور في هذه المناسبة. أما الإناث فيفضّلون الدمى، في حين تُقبِل النساء على شراء الآلات الإيقاعية التقليدية، التي تُعدّ تقليدا أساسيا في هذه الاحتفالات، مثل "الطعريجة" (طبلة)، و"البندير" (دف)، يضيف الغندوري.

"الطعريجة" آلة موسيقية مغربية، تصنف ضمن التراث الموسيقي المغربي، تصنع من الطين والجلد. أما "البندير" فمنتشرة في الدول المغاربية، وتستعمل خاصة في الغناء الصوفي والمديح النبوي. ويشير بيده إلى بضاعته "كل المعروض من هذه الآلات الموسيقية مصنوع محليا، ويرغب الناس في شرائها، خاصة في عاشوراء".

ويضيف الغندوي، أن "الإقبال كان مرتفعا هذه السنة، قياساً بالسنوات الماضية، على الرغم من أن العائلات كانت مشغولة باقتناء المستلزمات المدرسية".

وإذا كان المغاربة يحرصون على اقتناء كل ما يحتاجونه في يوم عاشوراء، على الرغم مما يكلفهم من مصاريف؛ فإن التجار يستفيدون من الإقبال غير المسبوق على سلعهم. أحد هؤلاء، أيمن اليعقوبي (25 سنة) الذي يعمل بائع فواكه مجففة في سوق "باب الأحد" بالرباط، يقول لـ"الأناضول"، "ما أجنيه من مال في هذه المناسبة يفوق باقي أيام السنة".

(الأناضول)

دلالات