موت حامل يفضح مستشفيات الجزائر

03 اغسطس 2017
فوضى في المستشفيات (أحمد كمال)
+ الخط -

"الحمد لله" هذا ما قاله زوج حامل ماتت مع جنينها في مستشفى جزائري قبل أيام. لكنّ رضاه بقضاء الله لم يخفِ حزنه وغضب كلّ أفراد العائلة الذين أكدوا أنّهم لن يتركوا حق ابنتهم التي فقدوها، بل سيتابعون القضية في المحاكم، وسيسعون إلى معاقبة من تسببوا بموتها مع جنينها.

قصة السيدة الحامل (24 عاماً) التي توفيت وجنينها كانت مروعة جداً ولاقت أصداء في مختلف أنحاء الجزائر. بعضهم وصف الأمر بالإهمال وبعضهم الآخر اعتبره "إرهاباً"، خصوصاً أنّ الضحية كانت تستجدي بين أيدي الأطباء والممرضات والممرضين ممن يطلق عليهم لقب "ملائكة الرحمة" في ثلاثة مستشفيات بولاية الجلفة، جنوب العاصمة الجزائر. ماتت في المستشفى الذي رفض استقبالها في المرة الأولى بعد رحلة ماراثونية.

يقول شقيقها لـ"العربي الجديد"، إنّ أخته "كانت تتألم، وجاءتها آلام المخاض يوماً كاملاً، لكنّ الممرضة في المستشفى الأول قالت لها: ما زال وقت الولادة مبكراً. كذلك، قطعت أمل استقبالها في سرير داخل المستشفى بحجة أنّ الممرضة المناوبة في قسم الولادات خرجت في إجازة مرضية".

نقلت السيدة الحامل من منطقة عين وسارة، مسقط رأسها، نحو منطقة حاسي بحبح. وفي المستشفى هناك عوملت بالطريقة نفسها ما دفع العائلة إلى نقلها نحو عاصمة الولاية، حيث مستشفى "الجلفة". هناك رفضوا استقبالها وقالوا للعائلة: "أنتم من عين وسارة ولديكم مستشفى هناك فما الذي أتى بكم إلى الجلفة؟".

ينظر المواطنون إلى هذه القضية بعين الإنسانية بالدرجة الأولى، خصوصاً مع الحوادث المتكررة في المستشفيات والمراكز الطبية. عانت الضحية حتى موتها، وهي ليست الضحية الأولى إذ سبقتها وفيات حوامل عديدة تعكس واقع قطاع الصحة، وتلغي فكرة أنّ بناء المستشفيات يعني بناء منظومة صحية قادرة.

يشير البروفسور في قسم الأشعة في مستشفى "السعادة" في العاصمة، عبد الرؤوف صراندي، إلى أنّ للقضية بعداً اجتماعياً وإنسانياً يرتبط بالعديد من المدن النائية في الجزائر، كذلك تبرز وجهاً مغايراً لما تعلنه الحكومة من إصلاحات في الصحة. يضيف أنّ الحادثة تعرّي المنظومة الصحية في الجزائر التي تحتاج إلى إعادة نظر عاجلاً وليس آجلاً.




العارفون بخبايا قطاع الصحة هم أول من في إمكانهم أن يعلّقوا على مثل هذه الحوادث، كما يقول صراندي لـ"العربي الجديد". يوضح أنّ هناك "حالات معزولة لا يمكن أن نقيس عليها الوضع الطبي في المستشفيات لكنّها في الوقت نفسه توخز ضمائرنا وترفع تحذيراً تجاه أكثر من اختصاص طبي، لا سيما أقسام الطوارئ (الاستعجالي) والولادات، وهي الأقسام التي تحتاج إلى نفس طويل، وإلى تأهيل كوادر بشرية بإمكانها أن تنهض بهذا القطاع".

كذلك، يلفت صراندي إلى أنّ "هناك معضلة كبيرة في الجزائر هي سياسة الإدارة في المستشفيات، فكيف يعقل أن تخرج ممرضة في قسم الولادات في إجازة ولا يمكن تعويضها؟ علماً أنّ القانون الجزائري سنّ تقديم المساعدة لكلّ مضطر من المرضى حتى في الطريق، فما بالك بامرأة حامل أو مريض داخل المستشفى؟".

في الإطار نفسه، يقول الدكتور، نذير طايبي، لـ"العربي الجديد" إنّ "الصحة مريضة في الجزائر ما دام التكوين والتأهيل ضعيفاً أخلاقياً ومهنياً وميدانياً". يضيف: "لا يمكننا أن نعالج حادثة الجلفة إلاّ في إطار منظومة طبية تحتاج بكاملها إلى إعادة نظر. أهم شخص في أيّ مستشفى هو عنصر الاستقبال، ثم الممرض، ثم طبيب التخدير، ثم الطبيب المعالج، ثم البروفيسور. لكنّ الأمر معكوس لدينا، إذ يستقبلك عنصر الاستقبال بجفاء منذ البداية أو يخبرك بعدم وجود طبيب".

من جهته، يقول الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة بومرداس، السيعد لبال، لـ"العربي الجديد" إنّ قضية المرأة الحامل "أكثر تعقيداً من واقعة معزولة في منطقة من مناطق الجزائر. الأمر يتجاوز قطاع الصحة إلى قطاعات أخرى ومؤسسات جزائرية أخرى. هناك مشكلة أخلاقية عامة لا تمس فقط القطاع الصحي ، فالمأزق مأزق تسيير الحكومة لمنظومة صحية متهالكة تحتاج إلى إعادة مراجعة جدية في مختلف المستويات".

بالعودة إلى قضية وفاة المرأة الحامل التي تقاذفها الممرضون من مستشفى الى آخر، ينتظر أهل الضحية نتائج التحقيقات التي باشرتها وزارة الصحة، إذ أوفدت لجنة تحقيق تضم أربعة مفتشين مركزيين إلى كلّ من مستشفى "حاسي بحبح" و"الجلفة" و"عين وسارة". وجرى استجواب عدد من الأطباء والممرضين، بالإضافة إلى أفراد عائلة الضحية.