عين استخبارات الدنمارك على المسلمين

20 اغسطس 2017
"الإرهاب" هو الحجة الجاهزة (ناصر السهلي)
+ الخط -

لا يكلّ حزب الشعب الدنماركي اليميني عن مواجهة المهاجرين والمسلمين خصوصاً، بمقترحات ومواقف متشددة واتهامات بالإرهاب وما إليها.

يتّجه حزب الشعب الدنماركي اليميني المتشدد إلى المطالبة بمنح جهاز الاستخبارات الدنماركي صلاحيات لتشديد المراقبة خارج القضاء على "كلّ من يُظن أنّه مشتبه فيه" أمنياً. ويأتي مقترح اليمين المتشدد في البرلمان في إطار تضخم دوره على الساحتَين السياسية والاجتماعية، بعدما تحوّل إلى أكبر أحزاب المحافظين واليمين وثاني أكبر حزب برلماني بعد الاجتماعي الديمقراطي المعارض لحكومة ائتلاف اليمين التي يمثّل "الشعب الدنماركي" قاعدة برلمانية لها.

ويشعر الحزب المعارض بمزيد من الزخم، على خلفية وجود مهاجرين ولاجئين في بلده، وفقاً لما أفاد في وقت سابق مقرّر شؤون الهجرة فيه مارتن هينركسن. ويطالب هينركسن بطريقة واضحة، بوضع الاستخبارات الدنماركية أساور مراقبة إلكترونية في معاصم "كلّ شخص يُظنّ أنّه يمثّل تهديداً أمنياً وإن لم يُدَن". يُذكر أنّ السلطات المعنية تلجأ عادة إلى الأساور الإلكترونية لمراقبة المدانين بجرائم والذين يقضون عقوبتهم في منازلهم. أمّا المقلق بالنسبة إلى الجهات الحقوقية في مقترح "القفز عن النظام القضائي"، هو أنّ الحزب يريد "جعل هذا النوع من الممارسة الأمنية بحقّ بعض المهاجرين أمراً اعتيادياً"، بحسب ما يقول عضو قيادة حزب اليسار في اللائحة الموحدة، هانس يورغن فاد أندرسن، في حديثه إلى "العربي الجديد" حول مقترح حزب الشعب الجديد.

في السياق، يقول الحقوقي المتخصص في شؤون المهاجرين هيليا راتز لـ"العربي الجديد"، إنّ "مقترحاً كهذا يرسل إشارة خبيثة إلى المجتمع الدنماركي لتقبّل تحويل المهاجرين، خصوصاً المسلمين منهم، للعيش في ظلّ دولة بوليسية تخصّهم وحدهم، إذ من الواضح أنّ الحديث عن الإرهاب لا يُقصد به عنف اليمين المتطرف والنازية الجديدة". وهو ما يراه أعضاء في أحزاب يسارية معارضة ومجموعات من المهاجرين العرب والأتراك وكذلك حقوقيون تحدّثت إليهم "العربي الجديد" في كوبنهاغن. ويؤيّد المتحدث باسم "الرابطة الفلسطينية" مالك البطران ما جاء على لسان راتز إذ يرى في الأمر "خرقاً فاضحاً للحقوق الأساسية للمواطنين ووضع فئة محددة في دائرة الاتهام، الأمر الذي يخلق جواً من الشك والريبة والانقسام في المجتمع".

استنفار (ناصر السهلي)


ويبرّر اليمين المتطرف مقترحه البرلماني الذي يسعى إلى حشد تأييد له إذ هو أرضية لحكومة يمين الوسط، مشيراً إلى أنّ "الاستخبارات الدنماركية تحتاج إلى أدوات إضافية لمحاربة الإرهاب ومنعه". ولتوضيح هوية الفئة المقصودة بتمثيلهاً "تهديداً أمنياً للدنمارك"، لا يتردد "الشعب الدنماركي" في القول إنّ "كثيرين في المجتمع الدنماركي يتعاطفون مع منظمات متشددة وخصوصاً مع (تنظيم) الدولة الإسلامية (داعش). وحتى يكون هؤلاء تحت المراقبة اللصيقة، لا بدّ من منح الاستخبارات فرصة وضع أساور إلكترونية لتتبعهم ولو من دون موافقة قضائية. وإذا نزع المعني الحلقة، علينا إدخاله إلى السجن".

وفي حين يبدو الأمر بحسب اليسار الذي أثار المقترح غضبه أنّه "محاولة تأليب الرأي العام على المسلمين عموماً"، يذكّر مقرّر شؤون الهجرة في الحزب في البرلمان مارتن هينريكسن بأنّ "دول جوار تتعرّض إلى عمليات إرهابية عدّة، ومن الضروري مراقبة ومعرفة ما يدور في البيئة المسلمة المتطرفة في المجتمع الدنماركي".

وينتقد اليسار هذا المقترح، ويرى بحسب ما يقول الناشط اليساري جون أوسترغوورد لـ "العربي الجديد"، إنّه "تأليب للمجتمع الدنماركي ضدّ المواطنين المسلمين ووضعهم في دائرة الشبهة باقتراحه أساور إلكترونية عشوائية وخارج القانون تفرض على الناس، ليأتي ذلك أشبه بحظر تجوّل يُمنعون بموجبه من الخروج من منازلهم". يضيف أنّه "لو كان لدى هذا الحزب قدرة لكان مرّر كذلك إنشاء مراكز اعتقال جماعية للمسلمين في مجتمعنا".

في كامل جهوزيّتهم (ناصر السهلي)


ومنح جهاز الاستخبارات صلاحيات واسعة من دون محاكمات، أمر يعدّه حقوقيون دنماركيون "خرقاً للدستور ولدولة القانون"، في حين يعدّها "الشعب الدنماركي" أموراً "ضرورية". ويؤكد هينريكسن أنّه "ولو في غياب حكم قضائي، نريد أن نقول لهؤلاء بأنّهم تحت نظرنا وليس في الأمر معاقبة قانونية".

ومقترح اليمين المتشدد هذا أثار خلال الأيام الأخيرة جدالاً كبيراً بعد موجة من الانتقادات اضطرت أحزاب يمين ويسار الوسط للخروج عن صمتها. وعلى الرغم من الإجازة الصيفية البرلمانية، فإنّ وزير العدل سورن بابي (من المحافظين) ومقررة الشؤون العدلية في "الاجتماعي الديمقراطي" ترينا برامسين وزميلها في اللجنة عن حزب الليبراليين الحاكم مع الائتلاف اليميني بريبن هينريكسن، عبّروا عن رفضهم "مقترح غير قانوني من حزب سياسي يمثّل أرضية برلمانية للحكومة". واضطر مقرر الشؤون العدلية في حزب "فينسترا" بريبن هينريكسن الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء لارس لوكا راسموسن إلى القول إنّ "المبادئ القانونية الاعتيادية يجب أن تطبّق على جميع المواطنين في الدنمارك، ولا يمكن في أيّ حال من الأحوال في دولة القانون أن تترك للشرطي أو رجل الأمن تقدير من هو المشتبه فيه ليضعه تحت المراقبة بأساور إلكترونية. في دولة القانون، يجب على الأقل أن يكون المشتبه فيه قد مثُل أمام قاض، وإلا نكون نحن أمام خرق فاضح لليقين القانوني".

إلى ذلك، وعلى الرغم من أنّ حزب المحافظين عبّر عن رفضه لما سمّاه "خرقاً للقواعد الدستورية للحقوق المدنية ولأهم قاعدة قضائية في دولة القانون وهي أنّ المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، وفقاً لما قالته مسؤولة مجموعة "المحافظين" في البرلمان ميتا أبيلغورد، فإنّ آخرين يرون خطورة في الطرح إذ "يرتكز على موقف معادٍ في الأصل للمهاجرين". ولم تثنِ كل تلك المواقف حزب الشعب الدنماركي اليميني المتشدد عن المضيّ في مقترح سنّ القانون الجديد. وقد عبّر الحزب عن رأيه بردود الفعل السلبية، فقال هينريكسن إنّه "أمر عادي وتتصف به سياسة الحكومة في مجال المهاجرين. لكنّهم ومثلما هي العادة، سوف يأخذون وقتهم قبل أن يعودوا ليؤيدوا مقترحاتنا كما في السابق. لا أحد منهم سوف تكون لديه الجرأة لرفض مقترح يحارب الإرهاب ودعم استخباراتنا".