مع حلول فصل الصيف وانطلاق موسم الاصطياف والسياحة والبحر، تحتار الأسر الجزائرية في وجهتها. ولأنّ تكاليف السفر لقضاء إجازة خارج البلاد مرتفعة حتى في الجارتَين تونس والمغرب، فإنّ الجزائري من أمثال خليل بركاني يرى نفسه وقد حتّمت عليه الظروف الاقتصادية قضاءها في ولاية جزائرية ساحلية.
ويتهافت الجزائريون على شواطئ العاصمة الجزائرية والولايات المجاورة مثل بومرداس وتيبازة وتنس وشرشال ووهران وتلمسان وبجاية وجيجل، فـسواحل الجزائر وشواطئها المحروسة تمتد على أكثر من 1200 كيلومتر. لكنّ العثور على مكان شاغر في منتجع أو فندق أو شقة للإيجار من أجل العطلة أمر يقلق الجزائريين. فيضطر كثيرون إلى دفع مبالغ باهظة كبدلات إيجار، تختلف باختلاف المكان والشقة وتجهيزاتها.
وتفتح عائلات كثيرة بيوتها في فصل الصيف كاستثمار موسمي، فتؤجّرها للسيّاح من الداخل والخارج على مدى شهرين لقاء مبالغ مرتفعة تغنيها عن تأجير لمدة سنة أو سنتين كاملتين، خصوصاً أنّ معظم طالبي الإيجار سوف يقيمون في تلك البيوت المجهّزة لمدة لا تتعدى الأسبوع أو الأيام العشرة. ويشير رياض بن عبد الرحمان لـ"العربي الجديد" إلى أنّه "من خلال عملية حسابية بسيطة، نجد أنّ تكلفة إيجار بيت تتجاوز 140 ألف دينار جزائري (نحو 1300 دولار أميركي) في الأسبوع، وهو ما يعادل ثلاثة أجور موظف في مؤسسة حكومية أو أربعة أجور ربّ عائلة يشتغل في مؤسسة تنظيف أو حارساً في مدرسة".
والسياحة الداخلية بالنسبة لبعضهم صعبة المنال، بل هي مطلب غير متاح لمئات العائلات التي تفضل قضاء العطلة على البحر والتمتع به نهاراً فقط والعودة إلى منازلها مساءً، لا سيّما تلك التي تعيش في مناطق قريبة من البحر. بالنسبة إلى السيدة نواري فإنّ "كلّ واحد يستمتع بعطلته على قدر ما يستطيع، وأحمد الله لأنّ الجزائر تزخر بمناظر طبيعية خلابة تمكننا من الاستمتاع ولو بنسيم البحر فقط". تضيف أنّ "الشواطئ هي للجميع، أمّا من يريد قضاء عطلة سياحية رائعة فعليه أن يدفع ثمن ذلك".
والعائلات التي تعمد إلى تأجير بيوتها، لن تجد فرصة ربح لها أفضل ممّا قد تجنيه في موسم الاصطياف مع توافد المغتربين والمهاجرين الذين يفضلون الوجهة الجزائرية لقضاء عطلة الصيف. وهؤلاء يضربون بذلك عصفورَين بحجر واحد، من جهة يقضون وقتاً في الوطن ويزورون الأهل والأقارب، ومن أخرى يستمتعون بشاطئ البحر وبالمناظر الخلابة.
أمام ارتفاع الطلب على مثل هذه الشقق، مفروشة كانت أم غير مفروشة، يكثر العرض فيتهافت الزبائن من كلّ حدب وصوب. في السياق، يلفت محمد نابلي الذي يسكن في ولاية سكيكدة السياحية، إلى أنّ "الشقق المفروشة في فصل الصيف ليست ثقافة سياحية في الجزائر. لذا يتحيّن أصحاب عقارات كثر الفرصة، فيجهّزون شققاً صغيرة مؤلفة من غرفتَين وحمام ومطبخ بكل وسائل العيش لتأجيرها في الصيف في مقابل مبالغ مرتفعة، لا سيّما للمغتربين". يضيف أنّ "ثمّة من استثمر في بناء فلل وشقق خاصة بمحاذاة الشواطئ بهدف تأجيرها فقط في موسم الصيف. وذلك يدرّ عليهم أموالاً كثيرة نظراً إلى الطلب الكبير عليها".
ولاية بجاية السياحية تزخر كذلك بمناظر وشواطئ رائعة تجذب إليها السياح والمصطافين من مختلف ولايات الجزائر. ويعمد بعض ملاك الشقق إلى طلائها وترتيبها وتجهيزها بثلاجات وتلفزيونات وغيرها من الأدوات اللازمة، بهدف تأجيرها للمصطافين خصوصاً العائلات. وترتفع بدلات إيجار هذه الشقق خلال شهر يونيو/ حزيران لتزيد أكثر خلال شهرَي يوليو/ تموز وأغسطس/ آب نظراً إلى حجم الطلب عليها. تجدر الإشارة إلى أنّ أصحاب هذه الشقق يحدّدون بدلات إيجارها من دون حسيب أو رقيب. في النهاية، فإنّ طالبي الإيجار هم من سكّان الولايات الداخلية والمدن الصحراوية الذين يرغبون في أن تتيسّر لهم فرصة قضاء عطلة جميلة، من دون التفكير في إيجار غرف في فنادق.
من جهة أخرى، وبالحديث عن الفنادق، فإنّ الجزائر تفتقر عموماً إلى فنادق سياحية ومنتجعات، فيما يتوفّر بعض منها يُعدّ باهظ التكلفة. وتتّجه السلطات الجزائرية نحو تشييد عدد من المنتجعات السياحية في المناطق المصنّفة كذلك، بعدما صارت السياحة مصدراً أولاً للمداخيل المالية. والجزائر تضمّ مناطق جاذبة للسياحة، في حين تغيب وسائل السياحة والترفيه التي يحتاجها السائح. بذلك، تبقى السياحة في البلاد "أرضاً خصبة لم تُستغلّ بعد"، في انتظار الاستفادة منها في المستقبل.