طرقات غير معبّدة تقتل الأفغان

31 يوليو 2017
طريق غير معبّد (أندرو رينيسين/ Getty)
+ الخط -
لا يمرّ أسبوع من دون وقوع حوادث مرور في مناطق مختلفة من أفغانستان، لا سيّما على الطريق الرئيسي الذي يربط العاصمة كابول بالأقاليم المختلفة. وتلك الحوادث تقتل العشرات، وسط غياب الخطط الرسمية أو غير الرسمية التي تؤدّي إلى تحسين الوضع.

تشير الحكومة والجهات الرسمية إلى أنّ تلك الحوادث تعود في معظمها إلى السرعة الفائقة وعدم احترام قوانين المرور، لكنّ النقابات المعنيّة في قطاع المواصلات والنقل ترى أنّ السبب الأبرز هو وعورة الطرقات بالإضافة إلى خوف السائقين من تعرّضهم إلى هجمات مسلحة. فيسرع هؤلاء للخروج من مناطق الخطر، ويتعرّضون بالتالي إلى أحداث دموية.

ولعلّ أخطر الطرقات التي تتعرّض يومياً لحوادث مرور مروّعة هو الطريق الذي يربط العاصمة بالمناطق الشرقية، تحديداً مدينة جلال أباد عاصمة إقليم ننجرهار، ومدينة أسعد أباد عاصمة إقليم كنر، ومدينة مهترلام عاصمة إقليم لغمان. إلى ذلك، يأتي الازدحام الشديد وخطورة الطريق الذي يمرّ عبر الجبال وعلى حافة نهر كابول، من أسباب حوادث المرور المتزايدة على هذه الطريق.

خان محمد ماما أفغاني في السبعين من عمره يسافر مرّة في الشهر على أقلّ تقدير إلى مدينة جلال أباد، حيث يعيش أصغر أبنائه. يقول: "مذ كنت شاباً، أرى هذا الطريق الذي يقضي عليه الناس، لا سيّما الشباب، نتيجة حوادث المرور. والسبب ليس خطورة الطريق فحسب، بل كذلك لامبالاة السائقين وعدم احترامهم قوانين المرور وعدم أخذهم الحيطة أثناء القيادة على واحد من أخطر طرقات المنطقة والعالم".

أمّا السائق تواب خان فيرى أنّ "المشكلة الرئيسية ليست تهوّر سائقي السيارات، بل في الازدحام. كل السيارات التي تتجه إلى كابول من الشرق تأتي عبر هذا الطريق. كذلك الأمر بالنسبة إلى السيارات التي تعبر منفذ طورخم الحدودي مع باكستان في اتجاه العاصمة الأفغانية، أو تلك التي تتجه إلى شمال البلاد أو إلى شمال غربها. هذا هو الطريق الوحيد، بالإضافة إلى أنّه قليل العرض ووعر".

لا شكّ في أنّ ازدحاماً شديداً يُسجّل على هذا الطريق، وهو من أسباب حوادث المرور، ويُضاف إلى ذلك انهيار الجدران التي تفصل بين الطريق ونهر كابول. ففي أحيان كثيرة، تسقط سيارات من الطريق الواقع عند أعلى الجبل في اتجاه النهر عند ارتكاب أيّ خطأ بسيط أو عند عبور سيارة أخرى. ويؤكد السائق تواب الأمر قائلاً: "رأيت سيارات كثيرة تسقط من أعلى الطريق في النهر فقط لأنّ سيارة أخرى عبرت بموازاتها". ويطالب "الحكومة بالإنصات إلينا والاهتمام بالطرقات الرئيسية، خصوصاً هذا الطريق".

وكانت وزارة المواصلات قد أكدت في بيان لها أنّ الحكومة تسعى إلى القضاء على كلّ الأسباب التي تؤدي إلى وقوع حوادث المرور، بدءاً من تعبيد الطرق وتأمينها بالتنسيق مع قوات الأمن وانتهاءً بتطبيق القانون. ولفتت الوزارة إلى أنّ ثمّة حوادث مرور تقع على طرقات غير معبّدة، الأمر الذي يشير إلى أسباب كثيرة غير وعورة الطريق.



في السياق، يقول المتحدث باسم الوزارة، حكمت الله كونش، إنّ "الحكومة تراجع خططها إزاء الطرقات الرئيسية وهي تعتزم وضع خطط جديدة وبديلة من شأنها الحدّ من حوادث المرور المروّعة". يضيف أنّ "ثمّة مشكلة تعجز الحكومة عن حلها وهي مشكلة الميزانية لإعادة ترميم طرقات كثيرة". لكنّ المسؤول في نقابة السائقين، نور هدايت، يتّهم الحكومة بـ "تهميش قضية الطرقات وتعبيدها أو إعادة ترميم عدد كبير منها". ويشدد على أنّ "وعورة الطرقات من أبرز أسباب حوادث المرور"، لافتاً إلى أنّ "كثيرين يسرعون للخروج من المناطق غير الآمنة. وفي مثل تلك الحالة، تنقلب السيارات أو تصطدم ببعضها بعضاً".

وثمّة مشكلة كبيرة أخرى، إذ إنّ الطرقات الرئيسية في معظمها يجري ترميمها، غير أنّها لا تدوم طويلاً نتيجة الفساد في الحكومة، ومثال على ذلك الطريق الرئيسي الذي يربط أقاليم الجنوب بالعاصمة. وطريق الجنوب المعروف بطريق كابول - قندهار يُعرف بأنّه من الطرقات الأكثر ازدحاماً في أفغانستان. وقد أعيد ترميمه أكثر من مرّة خلال حكم الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، لكنّه في كل مرّة كان يعود إلى حاله المتردّي. فالشركات تدفع الأموال إلى الإدارات المعنية التي تستخدم مواد رديئة لا تدوم إلا بضعة أشهر.

يقول مسؤول في شركة صينية تعمل في بناء وتصميم الطريق الثاني بين كابول وجلال أباد المعروف بطريق "لته بند" إنّ "الفساد في هذا القطاع وصل إلى ذروته. فالأجانب ومعظمهم من الصينيين، ضالعون كذلك في الفساد بالتواطؤ مع العاملين والمسؤولين الأفغان". ويلفت المسؤول الذي تحفّظ على الكشف عن هويته، إلى أنّ "المسؤولين في الشركة المخوّلة لهم صلاتهم بجماعة مسلحة على امتداد الطرقات. فيفجّر أعضاء في تلك الجماعة جزءاً من الشارع، ليؤجَّل العمل لأشهر فيما يتقاضى المعنيون رواتبهم".

لكنّ الوزارة تنفي تلك الاتهامات على لسان المتحدث باسمها حكمت الله الكوش الذي يوضح أنّ "التأخير في تعبيد الطرقات أو إعادة ترميمها يعود إلى الوضع الأمني الراهن أو إلى النقص في الميزانية وليس بسبب الفساد". لكنّه لا ينكر كلياً وجود فساد، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنّ "الحكومة تعمل على استئصاله من جذوره، إذ إنّه داء يجلب ويلات كثيرة، منها حوادث المرور".

تجدر الإشارة إلى أنّ الطرقات الرئيسية ليست وحدها التي تشهد حوادث مرور دائمة تؤدّي إلى مقتل مدنيين وجرحهم. ويعود السبب إلى التخلف عن تطبيق القوانين الذي تعجز إدارة المرور عنه، بعد تعرّض عدد كبير من شرطة المرور إلى الاعتداء.