بين المنزل وسوق العمل

28 يوليو 2017
تظاهرة داعمة للنساء في لبنان (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -
بالرغم ممّا قد يقال عن الأنظمة الرأسمالية والنيوليبرالية لأسواق العمل سواءً في لبنان أو من حول العالم عن كونها غير أخلاقية أو ظالمة أو ربما تعتمد أوجه "عبودية حديثة"، إلا أن دخول النساء إليها ليس خياراً ولا امتيازاً. مسار تمكين النساء لا يكتمل إلا بتبوّؤ النساء مناصب في أسواق العمل وفي القطاعات التي لطالما كانت حكراً على الرجال.
لكن للسياسيين في لبنان رأي آخر.

قام نواب الأمة في لبنان في منتصف الأسبوع المنصرم، بإقرار مشروع سلسلة الرتب والرواتب للموظفين والمتقاعدين والأجراء في القطاع العام. ومن جملة المواد التي أقرّت، المادة 26 المتعلقة بالدوام النصفي للموظفة المتزوجة.

بالنظر إلى هذه المادة، نرى أنها تنص على أنه "يمكن للموظفة المتزوجة الاستفادة من دوام نصفي لمدة أقصاها ثلاث سنوات خلال فترة خدمتها، [...] "وأنه يحقّ للمستفيدة من الدوام النصفي، نصف الراتب"، [...] وأنه تحسب سنة الدوام النصفي نصف سنة خدمة فعلية [...] وأنه يحظر على المستفيدة أن تتعاطى أي عمل مأجور أو أية مهنة من أي نوع كانت".

في هذه المادة الكثير من التجاوزات بحق النساء ولعلّها من أحد أكبر الحواجز التي أوجدت في وجه تطورهن الوظيفي والشخصي. أكثر بقليل من نصف العاملات في لبنان (52%) اللواتي يعملن هن ما دون عمر 35 سنة. هذا هو سقف النساء قبل أن يعلو نداء "الواجب الجندري" بالغصب أو طوعاً، لتعود النساء إلى منازلهن كـ"ربّات منازل". وفوق ذلك، جاءت هذه المادة لتميّز ما بين النساء المتزوجات وغير المتزوجات وبين النساء المتزوجات والرجال المتزوجين. لماذا استثنت هذه المادة النساء غير المتزوجات أو الرجال المتزوجين مثلاً؟

ها هي المنظومة تتسلّل بأوجهها الذكورية المتعددة لتحد النساء من فرص تمكينهن. سنة واحدة بدوام عمل جزئي كفيلة بأن يبقى العامل أو العاملة حيث هو أو هي في السلم الوظيفي، فما بالكم بثلاث سنوات؟ الترقيات، فرص السفر والتطوّر، وفرص التدريب وغيرها، تصبح بعيدة وغير واردة لمن تريد الاستفادة من هذه المادة.

تشير الإحصاءات، بحسب دائرة الإحصاء المركزي، بأن النساء العاملات في القطاع العام يشكلن نسبة 31%، مقارنة بـ 69% من الرجال. وتذهب هذه الإحصاءات عمقاً لتشير إلى أن نسبة النساء في مراكز ومواقع صنع القرار في القطاع الرسمي لا تتجاوز 5% لا سيما في بعض الوزارات، حيث تتركز غالبية النساء في الفئات أو الدرجات الرابعة أو الثالثة.

بقدر ما قد تبدو هذه المادة مثيرة للبهجة للناشطات للوهلة الأولى كونها تقرّ بأدوار النساء المتعددة، إلا أن خباياها الخفية تخفي عائقاً حقيقياً في وجه تطوّر النساء وليس أقله مشاركتهن السياسية.

(ناشطة نسوية)

المساهمون