فشلت الوساطات السودانية الحكومية وغير الحكومية في ثني ما يزيد عن ألف طالب من ولايات دارفور عن استقالاتهم التي دفعوا بها إلى جامعة "بخت الرضا" يوم الثلاثاء الماضي.
وانتقلت أزمة الطلاب من منطقة الدويم في ولاية النيل الأبيض، حيث مقر جامعة "بخت الرضا" إلى ولايات دارفور، التي توجه صوبها الطلاب منذ الجمعة الفائتة.
وتعود حيثيات الأزمة إلى شهر مايو الفائت، حيث اندلعت مواجهات داخل الحرم الجامعي لأسباب تتصل بقيام انتخابات اتحاد الطلاب، قادت لأعمال شغب، تدخلت معها الشرطة، وأدت لمقتل شرطيين وجرح عدد من الطلاب، وعلى خلفية تلك الأحداث اتهم نحو تسعة طلاب بينهم ثمانية من أبناء دارفور بقتل الشرطيين، وتم احتجازهم لحين الفصل في القضية، كما عمدت إدارة الجامعة لفصل "14" طالبا دارفوريا أيضاً.
وفي يوم الثلاثاء الفائت تقدم نحو 1200 طالب من دارفور باستقالاتهم من الجامعة، احتجاجا لتجاهل إدارة الجامعة لمطالبهم وحتى مقابلتهم، فضلا عن فصلها 14 من زملائهم، وعلّل المستقيلون استقالاتهم باتهامات مباشرة لإدارة الجامعة والأمن في ولاية النيل الأبيض بالتحريض ضد أبناء دارفور ومحاولة عزلهم من المجتمع ونعتهم بألفاظ عنصرية.
وتبادلت مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلا صوتيا نسب لأحد أبناء دارفور، يتهم فيه وكيل جامعة "بخت الرضا" بنعت طلاب دارفور داخل قاعة الدرس "بالعبيد"، واتهامهم بقتل رجال الشرطة ممن رأى أنهم ينحدرون من أشرف القبائل.
وأثارت قضية الطلاب الرأي العام السوداني، لا سيما بعد أن أقدمت السلطات السودانية على احتجازهم على بعد كيلومترات من العاصمة الخرطوم ومنعهم من دخولها.
وأكدت مصادر لـ"العربي الجديد" أن "توجيهات أمنية عليا صدرت بمنع انتقال أولئك الطلاب إلى الخرطوم كمعبر قبل ذهابهم لمناطقهم إلى دارفور، للحد من محاولات المعارضة من استغلالهم وإشعال أزمة في الخرطوم".
تحركات مكوكية قادتها حكومة ولاية النيل الأبيض ولجان وساطة متعددة، بينها لجنة برئاسة رئيس القضاء الأسبق، عبيد حاج علي، لثني الطلاب عن الاستقالة عبر عدة مبادرات وفتح قنوات حوار ومشاورات بين إدارة الجامعة والطلاب، إلا أنها باءت بالفشل، حيث اختلف الطلاب وإدارة الجامعة على نقطتين جوهريتين تتصل بمطالبات الطلاب بإعادة المفصولين لصفوف الدراسة وتأجيل الامتحانات المقررة في الثلاثين من الشهر المقبل، حيث وافقت الإدارة فقط على إعادة المفصولين بعد تقديم استرحامات فردية عقب الامتحانات، على أن تنظر فيها بعد ذلك، الأمر الذي رفضه الطلاب جملة وتفصيلا، ورأوا في الاسترحام اعترافا بالجرم.
وقال النائب البرلماني وعضو لجنة الوساطة المستقلة، محمود عبدالجبار، لـ"العربي الجديد" إن "الوساطات باءت بالفشل، رغم أنها نجحت في إقناع 130 طالبا بالعودة إلى صفوف الدارسة"، وشكك في عدد الطلاب المعلن ممن تقدموا باستقالاتهم، ورجح أن يكون عدد المستقيلين بين "430" إلى "450" طالبا بالنظر لعدد الباصات التي نقلتهم من منطقة تجمع بالشيخ الياقوت على بعد كيلومترات من ولايات دارفور، حيث نقلوا بعشرة باصات سياحية بسعة استيعابية قريبة من الرقم أعلاه.
ورأى النائب أن السبب الأساسي الذي أفشل جهود الوساطة عدم فرز الطلاب بين المطالب الطلابية والمطالب السياسية، وأضاف "معظم من فاوضنا لم يكونوا طلابا إنما قانونيون وكوادر أحزاب سياسية"، وأردف "أولئك المفاوضون غير مفوضين"، وأضح "نجحنا في تحقيق مكاسب للطلاب، حيث وصلنا لاتفاق رسمي فيما يتصل الطلاب المدانين جنائيا بأن تجري العدالة كما ينبغي، ونقود وساطات مع أولياء الدم لطلب العفو أو القبول بالدية ويطلق سراح المشتبه بهم، كما اتفقنا مع إدارة الجامعة أن توفق أوضاع المفصولين، وطلبت الجامعة أن يقدموا استرحامات رغم أن لائحة الجامعة تحدد فترة ستة أشهر للاسترحامات".
ورأى النائب أن عودة الطلاب إلى مناطقهم في دارفور لا يعني انتهاء دور الوساطة، واعتبر ذلك فرصة لتهدئة الاحتقان وإزالته تدريجيا، فضلا عن تدخل الأسر ومحاولة إقناع أبنائهم بالعودة إلى الدراسة.
واعتبر الطلاب المستقيلون عمليات الحوار التي تمت طيلة الفترة التي أعقبت احتجازهم بجنوب الخرطوم لإيجاد الحلول، عبارة عن "مراوغة ووعود سياسية"، وأشاروا في بيان لرفضهم "كافة المقترحات المقدمة لحل المشكلة رغم موضوعيتها"، وأكدوا أنهم قرروا العودة لدارفور بعد رفض السلطات دخولهم الخرطوم، وترك مقاعد الدراسة بالجامعة بشكل نهائي، حفاظا على سلامة الطلاب الأبرياء، واتهموا لجنة الأمن بولاية النيل الأبيض باحتجازهم لمدة يومين عند عبورهم للولاية في طريقهم لدارفور، بحجة فتح التفاوض مجددا لحل الأزمة، وأكدوا أن حاكم الولاية طرح عليهم ذات الحلول التي سبق ورفضوها، ما قاد الحكومة هناك للتنصل عن التزامات بدفع مبلغ "120" ألف جنيه لإيجار الباصات التي تقل الطلاب إلى دارفور.
إلى ذلك كون البرلمان السوداني فريقا من لجان التعليم والأمن والدفاع إلى جانب نواب آخرين، للمساهمة في حل أزمة طلاب دارفور بجامعة "بخت الرضا".
ووجه تحالف قوى نداء السودان بالداخل، وهو تجمع يضم المعارضة السلمية والمسلحة بينها حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي والحركات المسلحة الدارفورية والحركة الشعبية قطاع الشمال، انتقادات لاذعة للنظام في الخرطوم، واتهم الحكومة بانتهاك حرية التنقل لطلاب دارفور المستقيلين وإجبارهم على الرحيل إلى مناطقهم في دارفور، ومنعهم من دخول العاصمة.
وطالب الحكومة بالاستجابة الفورية لمطالب الطلاب بإعادة المفصولين للجامعة، وتوفيق أوضاعهم الأكاديمية مع إيقاف كافة أشكال التمييز من قبل إدارة الجامعة والشرطة والقائمة على أساس الانتماء الإقليمي والسياسي، ودعا للتحقيق بشفافية حول شكاوى الطلاب من الإساءات العنصرية لبعض منسوبي الإدارة في الجامعة.
وانتقد التحالف اعتقال السلطات لأربعة من قيادات التحالف، وهم بكري يوسف وابراهيم الشيخ ومواهب مجزوب وأماني مالك، عند عودتهم من المنطقة التي احتجز فيها الطلاب الدارفوريون جنوب الخرطوم، فضلا عن احتجازها واستجوابها لوفد مبادرة المجتمع المدني، وطالب بإطلاق سراح يوسف والشيخ اللذين أبقتهما السلطات قيد الاحتجاز منذ يوم الأربعاء الفائت، مع إطلاق سراح السيدتين.