فضاء التواصل

05 يونيو 2017
أصغر بكثير من مساحة "اللايكات" (شون غالوب/ Getty)
+ الخط -
بين حالة الإعجاب من جهة، والرغبة في المشاركة من جهة ثانية، فرقٌ كبير. فحقل المشاعر مضطربٌ رحبٌ، متدرج ودقيق، ولطالما يتبدل من حال إلى حال، لكننا غالباً ما نميل إلى إظهار ما نحبه أو ما نود قوله وحدوثه، وهذا يختلف عن الرغبة في المشاركة التي تأخذنا إلى ما يشبه فعلاً مادياً ملموساً ومؤثراً.

ثمة رموزٌ معاصرة في عالم التواصل، الجديد والمتسارع، تساعدنا وتختصر علينا إبداء الرأي من عدمه. فحينما نعجب بشيء، سواء كان مقالَ رأيٍ أو صورة أو كتاباً جديداً أو حدثاً ما، سرعان ما نكبس على زر الإعجاب "لايك"، وينتهي الأمر عند هذا الحد ربما: لقد قمنا بما نراه محل إعجابنا. يبدو الأثر خافتاً في هذه الحالة، كما أنه عابر، وربما نتناساه بعد وقت قصير، فالإعجابُ التواصليّ يشبه ردَّ التحية بمثلها.

لكننا عندما نودّ تبنّي رأيٍ أو موقفٍ، عندما يتوافق مع ميولنا، أو حين نجد فيه أهمية خاصة لا تشبه ما هو عادي وشائع، نبادر إلى المشاركة فيه، ووضعه على صفحتنا عبر الكبس على زر "الشير"، فيصير بذلك جزءاً من هويتنا وملمحاً على تفكيرنا وعلامة على ما نودّ أن نكونه أو نصير إليه في مكان ما.

هكذا تسمح المشاركة بما لا يسمح به الإعجاب، ذلك أن الأخير آني وعابر، فيما الأول حميم ومديد، ويمسّ منا إدراكنا العميق أو يحفز فينا طاقتنا المتوارية. ربما ننسى بعد أيام قليلة ما كان محل إعجابنا وفضولنا، أو أن مشاعرنا قد طوت تلك الصفحة في وقت قصير، بل ربما باتت على حال نقيضة.

يبدو الإعجاب وفق هذا النحو متحركاً، حيوياً، مباشراً وآنياً، ويكاد يكون غير مرئي، لكنه في الآن ذاته ضئيل الأثر، ومتقلب رغم شيوعه وكثرة تداوله، وربما يحمل نوعاً من المجاملة التي لا تصمد أمام رسوخ الحقيقة، إذا شئنا أخذ الأمر على محمل الجد. لكن المشاركة تحمل معاني أعمق، إنها مكان لتفاعل أبعد مدىً وأشد تأثيراً. عندما نشارك إنما نقول لكل من يتابعنا، ويهتم برأينا، عليكم اعتبار هذا الشأن محل اهتمام خاص. عبر المشاركة نرسل رسالة ونطلق نداء، لكننا في حال إعجابنا بشيء إنما نكون كمن يخبر شخصاً واحداً فحسب أنه قد تلقى شيئاً جميلاً أو تعرّف على أمر يعنيه، لكنه ليس بالأمر الهام.

هكذا يحيل الإعجاب إلى معاني التشجيع واللطف والتودّد، لكن المشاركة ترفع التشجيع إلى الحماسة والحض، واللطف إلى نوع من التماهي، والتودد إلى حال قريبة من التوحد مع المشارَك معه.

حيّز "الشيرات" أصغر بكثير من مساحة "اللايكات". ألا يمكننا القول إن فضاء التواصل الفعال هو الأضعف!

المساهمون