التهريب نحو ليبيا يهدّد مخزون الأدوية في تونس

05 يونيو 2017
النقص يشمل كذلك الأدوية المصنّعة محلياً (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يسجَّل نقص في الدواء في صيدليات ومراكز صحة أوليّة وكذلك في صيدليات المستشفيات في تونس، رغم انتظام الاستيراد من الخارج عبر الصيدلية المركزية ورغم وجود صناعة دوائية متطوّرة في البلاد.

مرّة جديدة، رأت فتحية نفسها تتنقّل من صيدلية إلى أخرى من دون أن تعثر على دوائها الخاص لعلاج ارتفاع ضغط الدم لديها. ولأنّ المشكلة تتكرّر معها، فهي تعمد في بعض الأحيان إلى شراء كميات من الدواء قبل نفاد ما لديها، حتى لا تتعرض إلى مشاكل صحية عرفتها في وقت سابق. قبل نحو عامين، لم تتمكّن فتحية من العثور على دوائها، فأصيبت بنوبة استدعت نقلها إلى المستشفى لتتلقى هناك علاجاً لخفض ضغط الدم.

ونقص الأدوية في تونس لا يتعلق بعلاجات ارتفاع ضغط الدم فحسب، بل يشمل معظم أدوية الأمراض المزمنة من قبيل داء السكري وأمراض القلب والأعصاب والجهاز التنفسي. وهو الأمر الذي يؤدّي إلى تفاقم معاناة بعض مصابي الأمراض المزمنة، خصوصاً في الجهات حيث لا يتوفّر عدد كبير من الصيدليات وحيث يعوّل المرضى في حصولهم على الدواء على مراكز الصحة الأساسية (الأوّليّة) التي لا تلبّي الكميات التي توفّرها احتياجات المرضى.

يشير جوهر وهو صيدلاني تحفّظ عن ذكر هويته كاملة، إلى أنّ "أدوية الأنسولين الخاصة بداء السكري من بين أكثر الأدوية التي تُفقد من الصيدليات، لا سيّما النوع الذي يأتي على شكل قلم والذي يوصف لمرضى السكري الذين لا يتجاوبون مع أنواع أخرى من الأنسولين". ويؤكّد على أنّ "الأمر خلال السنوات الأخيرة راح يتفاقم في بعض الفترات بسبب ازدياد تهريب الأدوية نحو ليبيا".




من جهتها، تخبر فاطمة عبيدي التي تُعاني من داء السكري أنّها تتابع علاجها "منذ أكثر من عشر سنوات ولم أكن أواجه مشكلة نقص في هذا الدواء سواء في الصيدليات أو في مراكز الصحة الأساسية التي تؤمّن كميّة بسيطة من الدواء شهرياً لمساعدة الذين يعانون من الأمراض المزمنة على تحمّل المصاريف". تضيف: "أمّا اليوم، فلا أجد الأنسولين في أحيان كثيرة، لذا أتردّد إلى الصيدليات بصورة يومية لتأمين كميّة فلا أجد نفسي مقطوعة منه".

تعيد الأطراف المعنية بمشكلة نقص بعض الأدوية في تونس الأسباب إلى ارتفاع معدّلات تهريب الأدوية خلال السنوات الأخيرة نحو ليبيا، على خلفية الحرب وارتفاع حاجة الليبيين لكلّ أنواع الأدوية. يُذكر أنّه في كلّ شهرَين تقريباً، تُحبَط عمليات تهريب أدوية، بما فيها أدوية خاصة لبعض الأمراض المزمنة. في السياق، أعلنت وزارة الصحة في أكثر من مرّة عن توفير رقم هاتف مجاني وفاكس خاص بالمرضى للتبليغ عن أنواع الأدوية النافدة وتحديد مكان النقص بهدف تحديد المشكلة والبحث عن حلول. كذلك أعلنت عن خطوات للتصدي لمهرّبي الأدوية نحو ليبيا.

في السياق، يقول مدير عام الصيدلية المركزية أمين مولاهي إنّ "تونس شهدت بعد الثورة وفي فترات مختلفة نقصاً كبيراً في بعض الأدوية، لا سيّما في عامَي 2012 و2013 لتوجّه آلاف الليبيين إلى تونس لتلقي العلاج"، لافتاً إلى أنّهم "يحملون كميات كبيرة من الأدوية معهم عند مغادرتهم تونس". ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "نقص الأدوية في ليبيا أدّى إلى التهريب الذي تشارك فيه أطراف ليبية وتونسية على حدّ سواء، الأمر الذي تسبّب في نقص مخزون الأدوية وانخفاض العرض في الصيدليات، خصوصاً أنّ تونس تُعَدّ المتنفس الوحيد لليبيا". يضيف مولاهي أنّ "ليبيا كانت قد اتصلت بالصيدلية المركزية التونسية لتزويدها بأدوية، لكنّ طلبها رُفِض إذ إنّه لا يحقّ للصيدلية المركزية البيع للخارج وفقاً للقانون ولا يمكنها إعادة تصدير أيّ مواد مستوردة بناءً على اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي تنصّ في أحد بنودها على أنّه لا يمكن إعادة تصدير مواد مستوردة. بالتالي فإنّ مهمّة الصيدلية المركزية تقتصر على تزويد السوق المحلية التونسية".



ويتابع مولاهي أنّ "مخزون الدواء المحلي ليس مسؤولية الصيدلية المركزية إذ يُصار إلى توزيعه بين القطاع والمصنعين بطريقة مباشرة. أمّا الدواء الأجنبي فهو من ضمن مسؤوليتها وتتحمل النقص فيه. لذا أنشئت خليّة أزمة لمراقبة مخزون تلك الأدوية والعرض المتوفر في الصيدليات بصورة يومية، بالإضافة إلى العمل على تفادي أيّ نقص محتمل في نوع معيّن".

من جهته، يوضح كاتب عام النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة رشاد قارة لـ "العربي الجديد" أنّ "النقابة شدّدت خلال السنوات الأخيرة على خطورة نقص الأدوية، لا سيّما أدوية الأمراض المزمنة. كذلك نبّهت إلى أنّ ثمّة نقصاً كبيراً في الأدوية المصنّعة محلياً، لأنّ المواد المستخدمة مستوردة ولدينا أزمة مع المختبرات الأجنبية". يضيف أنّ "الصيدلية المركزية تعيش وضعاً مالياً صعباً مع مزوّديها بسبب عدم سدّ المصحات والمستشفيات الديون المترتّبة عليها لصالح الصيدلية". ويتابع أنّ "ثمّة صيدلانيين نسبتهم قليلة، متورّطون في عمليات تهريب أدوية نحو ليبيا، فيما تسجّل عمليات تهريب من المستشفيات العمومية".

أزمة نقص الأدوية تطاول كذلك أدوية خاصة بطبّ الأسنان، ويوضح الطبيب رمزي الأحمدي أنّ "بعض أدوية التخدير فُقدت لمدّة طويلة بسبب وجود ممثلين تجاريين لمختبرات أدوية يحصلون على الأدوية من الصيدلية المركزية ويبيعونها للأطباء بأسعار مختلفة. بالتالي، يحتكرون الدواء في معظم الوقت لرفع سعره، في حين يتوجّه أطباء الأسنان إلى الصيدلية المركزية ولا يجدون الأدوية التي يحتاجونها".

ويؤكّد كاتب عام النقابة التونسية لأطباء الأسنان خالد التنازفتي لـ "العربي الجديد" تسجيل "نقص كبير في الأدوية الخاصة بطبّ الأسنان منذ أربع سنوات. وقد عاينت النقابة الوضع طيلة تلك السنوات وناقشته مع أهل الاختصاص وعقدت لقاءات مع الصيدلية المركزية، لمدّها بقائمة من الأدوية المثيلة التي يمكن أن تعوّض تلك التي فقدت من السوق. لكنّ المشكلة ما زالت مستمرة".

دلالات