موسم للدروس الخصوصية في العراق

03 مايو 2017
الاكتظاظ في الصفوف يشتّت التركيز (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

لا يختلف العراق عن سواه من البلدان العربية وتلك غير العربية التي يلجأ تلاميذها إلى الدروس الخصوصية كلّما اقترب عام دراسي من نهايته، بهدف التقوية والنجاح.

مع اقتراب موعد امتحانات نهاية العام الدراسي، يبدأ أولياء أمور تلاميذ العراق بالبحث عن مدرّسين كفوئين لتزويد أولادهم بدروس خصوصية للتقوية، في مراحل التعليم الثلاث الابتدائية والمتوسطة والثانوية.

كيلان علي، تلميذ في الصف السادس الثانوي، يقول لـ "العربي الجديد"، إنّه يتلقّى دروس تقوية في خمس مواد من أصل سبع، مشيراً إلى أنّ "لكلّ درس بدله المادي الذي لا يقلّ عن 425 دولاراً أميركياً"، وهو يختلف باختلاف منطقة السكن أو كفاءة المدرّس. يضيف أنّ "معاهد دروس التقوية تنتشر بطريقة ملحوظة في العراق. وهي معاهد أهلية حائزة على إجازة من وزارة التربية". ويتابع أنّه "بمجرّد خروجنا من المدرسة، نتوجّه إلى تلك المعاهد لتلقي دروس التقوية. ويكون عدد التلاميذ في الصف الواحد كبيراً، ويصل إلى 40 تلميذاً في الغرفة الواحدة". ويلفت علي إلى أنّ "ثمّة مدرّسين أصبحوا أكثر جشعاً، وراحوا يبيعون كرّاسات خاصة بكلّ درس، هي كناية عن ملخّصات للمواد".

أولاد أم محمد الأربعة يتابعون تعليمهم في مراحل دراسية مختلفة، فتقول إنّ "العائلات العراقية تحتاج إلى ميزانية خاصة من أجل تعليم أبنائها، خصوصاً مع تزايد ظاهرة الدروس الخاصة". تضيف أنّ "كلّ مدرس يقدّم دروسه الخصوصية بعد الدوام، وقد تصل تكلفة درس الرياضيات مثلاً إلى نحو 500 دولار أميركي. وفي العائلة الواحدة عادة، أكثر من تلميذ واحد، فلنتخيّل كيف هي الحال مع حاجة هؤلاء إلى دروس تقوية". وتطالب أم محمد وزارة التربية العراقية "بتحديد بدلات الدروس الخصوصية، بالإضافة إلى عدم تغيير المواد خلال العام الدراسي، لأنّ ذلك يؤثر على التلاميذ والمدرّسين في الوقت نفسه". وتشير إلى أنّ "النزوح فاقم المشكلة، لأنّ العائلات راحت تتنقل كثيراً، ما اضطرها إلى تدريس أبنائها عند مدرّسين خصوصيين".




من جهته، يقول عمر المحجوب، وهو من أولياء الأمور، إنّ "هذه الظاهرة تنتشر بصورة كبيرة بعد عام 2005 بسبب تدنّي المستوى العلمي لدى التلاميذ، خصوصاً تلاميذ الشهادات الرسمية". ويرجع ذلك إلى "أسباب عدّة، منها عدد التلاميذ الكبير في غرفة الصف الواحد، والذي قد يتخطّى الستين. يُضاف إلى ذلك عدد ساعات الدراسة الفعلية الذي يقلّ عن ثلاث ساعات، فضلاً عن كثرة العطل الرسمية وشبه الرسمية". ويتابع المحجوب أنّ "التغيير المستمر في المناهج المدرسية هو كذلك من أبرز أسباب تدنّي المستوى لدى بعض المدرّسين، الأمر الذي يجبر التلميذ إلى الاستعانة بالدروس الخصوصية". إلى ذلك، يشير إلى أنّ "المدرّسين في معاهد التقوية هم أنفسهم الذين يدرّسون التلاميذ في المدارس. لذلك يقصد الواحد منهم أن يكون أداؤه ضعيفاً، لإجبار التلميذ على الالتحاق بالمعهد".

في السياق، يؤكد الباحث التربوي نبيل الزركوشي أنّ "ثمّة مشكلة حقيقية اليوم، يمكن تحديد ثلاثة أطراف فيها، وهي التلميذ والمدرّس وأولياء الأمور. فالتلميذ أصبح كمريض يتعالج في الوقت نفسه عند أكثر من طبيب، باحثاً عن النجاح وبأيّ طريقة. أمّا المدرّس فيحاول الارتقاء بمستواه المعيشي كي ينسى سنوات الحصار والظلم. من جهتهم، أولياء الأمور الذين لا حول لهم ولا قوّة، يدفعون مزيداً من المال في سبيل إبراء ذمّتهم أمام أولادهم. بذلك، يبخلون على أنفسهم بهدف توفير المال لهؤلاء، ويبذلون كلّ ما في وسعهم ليحصلوا على درجات تؤهلهم دخول كليات يفتخرون بها أمام الجيران والأهل".




ويشير الزركوشي إلى "ضرورة أن تنظر وزارة التربية إلى التدريس الخصوصي على أنّه واقع حال يجب التعامل معه وفق أسس علميّة وإصدار قوانين تشرّعه وتستفيد منه من أجل النهوض بواقع التعليم". يضيف: "نحن نعرف أنّ لذلك دورا في الحدّ من المشكلة، لكنّه لا يقضي على جذورها نهائياً، نظراً إلى أمور عدّة، منها عدم وجود جهة رقابية، والاعتقاد السائد لدى أولياء الأمور بأنّ هذه الدروس هي الأنسب للحصول على درجات عالية، إلى جانب افتقار التعليم الحكومي إلى مقومات التعليم الجيّد. فجاء التعليم الأهلي كرديف له وبدأ يشقّ طريقه في عدد من المحافظات". ويتابع: "من الممكن الاستفادة منها في حلّ جزء من المشكلة، فضلاً عن وضع قانون يجيز للمدرّس ذلك أسوة بموظفي الملاكات الأخرى".

إلى ذلك، يقول مدرّس مادة الفيزياء عبد الرحمن نايف: "نلاحظ انتشار الدروس الخصوصية التي قد تُعدّ واحدة من المشكلات الدراسية. لذا لا بدّ من الاهتمام بهذا الأمر، إذ إنّ التلاميذ بمعظمهم يلجؤون إليها بقصد الاستفادة. لكنّ النتيجة قد تكون عكسية في بعض الأحيان". يضيف أنّ "ثمّة منافع ومضار لدروس التقوية. ومن المنافع ارتفاع المستوى التحصيلي للتلاميذ، وهو ما يساعد في تأمين معدل نهائي جيّد لدخول المجال الجامعي". ويلفت نايف إلى أنّ "ثمّة مدرّسين لا يعطون الدرس حقّه من أجل ضمان فرص الدروس الخصوصية التي تكون أحياناً في بيته. وهو يعمد إلى ذلك من أجل كسب المال من تلاميذه. وهذا أمر لا يقره دين ولا قانون". ويتابع أنّ "هذه الدروس تكون صحية إذا اتبعت الخطوات الصحيحة بالنسبة إلى الآليات. بالتالي، لا يجب على وزارة التربية منع الدروس الخصوصية التي هي بمثابة دورات تقوية. لكنّ الأمر يبقى رهناً بضمير المدرّس في ما يتعلّق بإعطاء الدروس حقّها".