الرسوم المتحركة تخطف أطفال موريتانيا

10 مارس 2017
مسحورة بها (العربي الجديد)
+ الخط -

كثيرة هي الدراسات العالمية التي تؤكّد تأثير أفلام ومسلسلات الكرتون (الرسوم المتحرّكة) على الأطفال ونموّهم. خلال سنواتهم الأولى، توجّه تلك البرامج المصوّرة سلوكهم، لا سيما مع انتقال أبطالها من التلفزيون إلى الألعاب الالكترونية بالإضافة إلى انتشار صور هؤلاء الأبطال على الملابس والزينة والسكاكر وغيرها.

المجتمع الموريتاني لا يختلف عن المجتمعات الأخرى، لا سيّما نتيجة التحوّلات التي طرأت عليه من انشغال الأهل وانشغال الأطفال بالتلفزيون والأجهزة الإلكترونية من دون حسيب ولا رقيب واندثار حكايات الجدات المليئة بالعبر والحكم وغير ذلك. فاستأثرت أفلام ومسلسلات الرسوم المتحركة بعقول الصغار، وباتت تحقق نسب مشاهدات منقطعة النظير بينهم، إذ تعلّقوا بها.

وأفلام ومسلسلات اليوم لم تعد بريئة، بل تتضمّن عنفاً ومكراً وخداعاً وقتالاً، بالإضافة إلى أنّها تبثّ مفاهيم وقيماً غريبة عن مجتمعاتنا العربية. تقول سعاد بنت سيدي محمد (32 عاماً) وهي مدرّسة، إنّ "الأسر اعتادت ترك أطفالها أمام أفلام الكرتون من دون مراقبة، ما يجعل هؤلاء يشاهدون ما لا يتناسب مع أعمارهم، فيصطدمون بمفاهيم غير مستحبّة". تضيف: "الأسر تظنّ أنّ أبناءها في مأمن وهم يشاهدون الكرتون على التلفزيون أو الحاسوب، وأنّهم يستمتعون بأوقات فراغهم بمشاهدة فلاشات تعليمية وتثقيفية. وما دامت تلك الأفلام بألوانها وموسيقاها تجذب الطفل وتبقيه هادئاً، فهي مقبولة ولا اعتراض عليها".

وإذ تشير بنت سيدي محمد إلى أنّ "تلك الأفلام، كثير منها لا يصلح لمن هم دون الثامنة عشرة، في حين لا تخلو من العنف والإساءة"، تسأل: "كيف نشتكي من شغب الأطفال وكثرة مشاكلهم وتقليدهم للغرب، وكل ما يتابعون لا يقدّم لهم سوى العنف والإثارة المصطنعة والشخصيات الوهمية"؟ وتؤكّد أنّه "لو خصص الآباء قليلاً من وقتهم لمتابعة ما يشاهده أبناؤهم، لاكتشفوا المستوى المتدني لمحتوى معظم تلك الأفلام التي يسعى الأطفال إلى تقليد أبطالها الأشرار".




يتّفق أحمد صيدو (37 عاماً) وهو موظف، مع بنت سيدي محمد، ويقول: "نادراً ما يدفع تغيّر سلوك الطفل العائلة إلى متابعة نوعية أفلام الكرتون التي يشاهدها. فتلك الأفلام لا تدخل في دائرة شكّ الأسر التي ترمي دائماً باللائمة على الشارع والمدرسة". بالنسبة إلى صيدو، فإنّ "أفلام الكرتون التي تشجّع على العنف والسحر وتعلّم الأطفال طرق السرقة والخداع والانتقام وتمجد الشخصيات الغريبة عن مجتمعاتنا أو الخيالية الوهمية، هي كثيرة". ويلفت إلى أنّه يتابع كلّ ما يشاهده أطفاله، داعياً الآباء إلى "الحذر من تأثير السمّ المدسوس في الرسوم المتحركة الحديثة التي قد تهدم أخلاقيات الجيل الجديد".

وتحذّر دراسات عدّة من تأثير الرسوم المتحركة على الأطفال، إذ يرى تربويون ومتخصصون في علم نفس الأطفال أنّها قد تمثّل خطراً حقيقياً، خصوصاً مع فرض شروط الثقافة الاستهلاكية التي أصبحت تتحكم في إنتاجها.

ويتساءل مهتمون عن الأسباب الحقيقية لإهمال إنتاج أفلام ومسلسلات رسوم متحركة عربية بدلاً من الاعتماد على دبلجة ما يستورد من الخارج، لا سيّما أنّ مئات الأفلام والمسلسلات تُنتج للكبار وبميزانيات ضخمة. فيقول الباحث الاجتماعي محمد محمود ولد بدر الدين في هذا السياق، أنّ "ثمّة تراثاً عربياً غنياً يمكن استغلاله لإنتاج أفلام كرتون ذات قيمة كبيرة، تمجّد مثلاً الشخصيات التاريخية وتجعل الأطفال يستفيدون من تجربة أبطال حقيقيين أثّروا في مجالات مختلفة". ويرى أنّ "الوقت ما زال يسمح بالقيام بهذه التجربة لإنقاذ الأطفال من استلاب الغرب لهم، واستغلال الساعات التي يتسمّر الطفل خلالها أمام التلفزيون، لزيادة النمو الإدراكي والاجتماعي لديه".

ويشير ولد بدر الدين إلى أنّ "ثمّة أفلام كرتون أجنبية تقدّم القيم والأخلاق الحميدة للطفل وتنمّي خياله وتغذّي موهبته، لكنّها تنتصر لقيم المجتمع الغربي. وعلى الرغم من تدخّل مقصّ الرقيب، إلا أنّ الرسومات والإيحاءات والرموز التي تتضمنها هذه الأفلام تجعل المتلقي ينسلخ عن واقعه ومجتمعه". ويدعو إلى "إنقاذ الأطفال الذين انغمسوا في تقليد الغرب ونسوا عادات وثقافات أجدادهم، من خلال مراقبة الآباء لهم ومشاركتهم مشاهدة أفلام ومسلسلات الكرتون، واختيار المناسب منها بحسب عمر الطفل ومدى إدراكه. كذلك، يشدّد على "ضرورة تشجيع الطفل على قراءة القصص وتقليص فترات مشاهدة الأفلام وتعويضها بحكايات ما قبل النوم المليئة بالعبر والحكم والتي كانت الجدّات والأمهات يتفننّ في سردها".

دلالات