تسعى مناطق مغربية إلى استبدال زراعة الحشيش، بزراعات ومشاريع سياحية بديلة بمساعدة الجمعيات. هناك نجاحات واضحة، لكنّ البعض لم يؤمن بعد بإمكانية إنتاج أرضه محصولاً سوى القنب الهندي.
في قرية فلاحية صغيرة تعيش فيها خمس عائلات في نواحي إقليم شفشاون، شمال المغرب، يجلس الفلّاح محمد أمام حقل زيتون صغير لا يتجاوز عشرين شجرة عمرها عشرة أعوام تقريباً ويقدّر محصولها بـ315 كيلوغراماً سنوياً. هذا المحصول كافٍ لإعالة أسرة محمد وإرسال ابنتيه إلى الجامعة بالرغم من تذبذبه بين عام وآخر. يقول لـ"العربي الجديد": "سعيت إلى إنهاء أولادي الذكور تعليمهم، لكنّهم فضلوا العمل على المدرسة. في المقابل، تمكنت من إرسال ابنتيّ إلى الجامعة، وكنت أول من يرسل بناته إلى الجامعة في القرية".
محمد وزيتونه نموذج لبعض الفلاحين في إقليم شفشاون، ممن استبدلوا زراعة القنّب الهندي (الحشيش) بمحاصيل أخرى إلى جانب تربية المواشي. تنتشر زراعة القنب في المنطقة الشمالية وجبال الريف موزعة على ثلاثة أقاليم، إقليم شفشاون وإقليم الحسيمة، وإقليم تاونات بمساحة تبلغ 40 إلى 50 ألف هكتار بحسب آخر دراسة لـمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. وبذلك، تسجل تراجعاً عن عام 2006 حين بلغت مساحة زراعة القنب 70 ألف هكتار.
يقول الأستاذ في العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، عبد الرحمن صديقي، لـ"العربي الجديد": "يعتقد الفلاحون في تلك المناطق أنّها لا تصلح إلاّ لزراعة القنب الهندي، وهو اعتقاد راسخ في أذهانهم. لكنّ أول المتضررين من هذه الزراعة هم الفلاحون أنفسهم، فالجهد المبذول والأدوات والمواد المستخدمة في الزراعة تأخذ رصيداً كبيراً من وقت الفلاح وماله، وفي النهاية يبيع كيلو القنب بـ2 أو 4 يورو. في المقابل، تستفيد مافيا المخدرات من تحويل القنب إلى مخدرات تصدّرها إلى الخارج".
يشير صديقي في هذا السياق إلى أنّ "المنطقة الشمالية لم تستفد تنموياً ولا اقتصادياً من زراعة القنب، لهذا تطالب جهات مدنية وسياسية بتقنينها واستخدامها في الأدوية الطبية وصناعة النسيج. في المقابل، لم تقنن السلطات المحلية زراعة القنب ولم تمنعه، بل تبتزّ الفلاحين عبر ملاحقتهم باستمرار".
بدائل
بسبب طبيعة المنطقة الجبلية والغابية، وقلة الأراضي المنبسطة، اقتلع كثير من الفلاحين الغابات وحولوها إلى أراضٍ صالحة لزراعة القنب الهندي. لكن، في غمرة الأضرار اللاحقة بهم، طرحت عدة مؤسسات دولية وجمعيات تنموية محلية بدائل أمام هؤلاء الفلاحين لتمكينهم اقتصادياً من خلال مشاريع سياحية على شكل منازل سكنية، ومشاريع زراعية، وأخرى تتعلق بزيادة قيمة المنتجات الجبلية وإضفاء طابع تراثي- تسويقي عليها.
من بين المشاريع الزراعية تشجيع الفلاحين على زراعة أشجار الخروب والزيتون. وهو المشروع الذي نفذته "جمعية تلاسمطان للبيئة والتنمية" في شكل تعاونيات نظمت من خلالها الفلاحين وساعدتهم في إنشاء تعاونيات وتدريبهم على مهارات زراعية ومهارات التسويق.
يقول المسؤول في الجمعية عبد الإله التازي خلال زيارة ميدانية إلى "تعاونية جبل كدين لتسويق منتوج الخروب": "الجمعية دعمت الفلاحين بشتول الخروب والأدوات، وتنظيم الفلاحين المقسمين على إقليمين، تطوان وشفشاون، ثم بناء مقر لهم للتدريب، ومعمل صغير لحفظ محصول الخروب ومساعدة الفلاحين على تسويقه بشكل جيد، وتمكينهم اقتصادياً عبر زيادة دخلهم المخصص للمعيشة". يضيف لـ"العربي الجديد: "نفذنا مشاريع عدة على شاكلة مشروع الخروب في محمية الربط القاري المتوسطي، عبر إعطاء الفلاحين بديلاً عن زراعة القنب بما هو متوفر لديهم، مثل تجفيف التين، وإنتاج زيت الزيتون". يردف: "لكن، هناك فجوة يظل الفلاح عالقاً فيها، وهي انتظاره إنتاج المحصول، فالخروب يتطلب ثماني سنوات كي يثمر، وهنا نحتاج إلى تدخل أطراف حكومية ومؤسسات دولية لإيجاد البديل إذا أردنا تقليص زراعة القنب الهندي". يتابع: "بعض الفلاحين يلجؤون إلى أنشطة فلاحية تقليدية، خصوصاً تربية المواشي، لأنّ طبيعة المنطقة جبلية وموزعة على الفلاحين بالأمتار وليست بالهكتارات، وزراعاتها معيشية".
محاربة الأمية
تمكن فلاحون من الانضمام إلى "تعاونية جبل كدين لتسويق منتوج الخروب" بحثاً عن مصادر جديدة للرزق. يقول رئيس التعاونية محمد القلاع: "في التعاونية 24 مشاركاً من عشر قرى. أنتجنا 70 طناً في العام الأول وغرسنا 3 آلاف شجرة خروب حتى اللحظة".
وحول فوائد البرامج التدريبية يقول القلاع: "تعلّم الفلاحون أهمية الخروب واستخداماته الطبية وأصبحوا يولونه اهتماماً. السكان هنا يعيشون على تربية المواشي وزراعة البقول، وبعضهم كان يزرع القنب. لكنّ ظروفهم الآن مع الخروب تحسنت بعدما بتنا نصدّره إلى المصانع في فاس". يعتبر أنّ "لجوء الناس إلى زراعة القنب عمل محرّم ومن يزرعه غير مقتنع بالبدائل الموجودة لديه".
إلى جانب ذلك، لعب مشروع "المغرب الأخضر" الذي تنفذه الحكومة المغربية دوراً في إقلاع الناس عن زراعة القنب، إذ دعم زراعة أشجار البرقوق (الخوخ) والرمان، وعزز الزراعة المعيشية. يقول التازي: "إذا زاد الوعي بهذه المزروعات وفتحت أسواق اقتصادية ستنتعش المنطقة وتحارب البطالة".
البطالة والأمية والفقر والتهميش التنموي مؤشرات يلحظها من يزور المنطقة. وبالرغم من توفير خدمات الماء والكهرباء لمعظم القرى هناك، فإنّ البنية التحتية مثل تعبيد الطرقات وتوفير مراكز طبية ومدارس ما زالت تحتاج إلى سنوات وميزانيات لتطويرها.
ولمحاربة الأمية في المناطق التي أقلعت عن زراعة القنب، نفذت "جمعية تلاسمطان" بموازاة كلّ مشروع تنموي برامج لمحو الأمية والهدر المدرسي الذي يطاول الفتيات أكثر من الأطفال الذكور، نظراً لعقلية سكان تلك المناطق، بالإضافة إلى بعد المدارس عن معظم القرى. يشير التازي إلى أنّ "معظم الفتيات يتسربن من الصف السادس لأنّ الصفوف الأعلى تحتاج إلى الانتقال من القرية، وهو أمر يرفضه معظم الأهالي".
سياحة
لطالما كانت السياحة في تلك المنطقة عشوائية وتفتقر إلى الترويج للخصوصية الثقافية، بالرغم من ثرائها بالغابات والأنهار. لكنّ مبادرة الجمعيات القائمة على تثمين المضمون الثقافي في المنطقة فعلت فعلها. يقول التازي: "قامت تلاسمطان بتثمين المنتوجات الجبلية وإعطائها قيمة مضافة عبر المحافظة على طبيعتها البلدية عند التسويق، بالإضافة إلى إنتاج العسل الطبيعي وإنتاج مشروب الصامت (تقليدي من العنب) وتحسين إنتاج جبن الماعز عبر جمعيات موزعة في قرى مختلفة، بالإضافة إلى بناء منازل سياحية تعكس الطابع الثقافي للمنطقة، مما يساعد السائح على التعرف إلى ثقافتنا. كما أطلقنا بالتعاون مع جامعة عبد المالك السعدي اختصاصاً أكاديمياً نحاول فيه تحويل السياحة إلى مهنة تحوّل كلّ مسار سياحي إلى مضمون ثقافي حاضر وليس خرافياً".
حتى اليوم، أنشئ في المنطقة 13 مأوى سياحياً، بعضها في منطقة أقشور، وهي التي تتميز بمياه عذبة باردة وتوفر أماكن للتخييم. كان الإقبال السياحي على أقشور ضعيفاً لكنّ الجمعية بالتعاون مع السكان أسست مشاريع منازل، ومطاعم، ومقاهٍ، لتحاول من خلالها تنظيم حركة السياحة، وتكوين مرشدين سياحيين محليين، وإلغاء التخييم الفردي والمطالبة بإقامة مخيم جماعي حفاظاً على البيئة.
مأوى "زاوية أقشور" مثال على المآوي السياحية، يعمل فيه ثلاثة أشخاص، أحدهم مرافق سياحي، والثاني مالك مطعم في المأوى، والثالث مالك المأوى. يقول الأخير محمد الهابطي: "نشهد في أقشور إقبالاً سياحياً كبيراً خلال فصلي الربيع والصيف. ولتوفير مكان للسياح بنينا المأوى وحافظنا على الطابع البيئي فيه. اضطررنا إلى العمل في السياحة بالرغم من الكساد الذي نواجهه في فصل الشتاء إذ نعوّض ذلك بالفلاحة".
أما محمد تاويل، وهو شاب في العشرينات، وعضو في جمعية "أقشور للتنمية السياحية"، يدير محلاً تجارياً للمنتوجات المحلية، فيقول لـ"العربي الجديد": "السياحة هنا موسمية، لكن لا بديل عنها. أبيع الزيوت الطبيعية والإزار والشاشية والأعشاب الطبية والكسكس والفخار". يتابع حول ما إذا كانت السياحة بديلاً جيداً عن زراعة الحشيش: "الشباب الآن يتجنبون المشاكل التي تخلفها زراعة القنب، فهي زراعة غير مقننة وممنوعة... بذلك، باتوا يدخنون الحشيش أكثر مما يزرعونه".