نحن في المرآة

25 فبراير 2017
هذه ليست حقيقتها (بريندان سمايلوسكي/ فرانس برس)
+ الخط -
"ثمّ أخرجت مرآةً من مريولها وأعطتها لبيتر. قالت: خذ هذه مكافأة لك. لم يكن قد سبق لبيتر أن رأى مرآةً من قبل. فحين نظر إليها، ورأى انعكاس السماء بين يديه، قال لها: هل أعطيتني السماء؟". (من كتاب مرآة بيتر البسيطة).

مرايا بيوتنا تعكس جدراناً بيضاء وأُخرى ملوّنة. وقد تعكس ثياباً كثيرة معلّقة خلف الباب، أو لوحاتٍ مائلة، أو أجساداً تروح وتجيء، أو فوطة تمسح عليها في حركةٍ دائريّة لتزيل الغبار عنها وآثار أصابع ما هي إلّا بصمات. نحنُ كنّا هنا يوماً، ننظر إليها... إلينا. ثم نضعُ أصابعنا علّنا نعدّل بعضاً من ملامحنا. لا يعقل أن نكون هكذا. عيون صغيرة حتّى تبدو مجرّد ثقوب، أو كبيرة وكأنّها فراغات. ملامح باهتة تستجدي معنىً من المرآة. كلّ ما نراه فيها ليس كافياً. ثمّة بُعد مخبّأ في مكان ما. "مرايتي يا مرايتي"، هل...؟ ماذا نريد من مرايانا؟ أسئلتنا تفوق قدراتها على الإجابة أو الاستجابة لنا.

في هذا النهار بثور وسواد يحيط العينين، وشعيرات تمرّدت على الجلد. وهذا واقع نهرب منه في أحيانٍ كثيرة. ليست هذه وجوهنا التي نصدّق أنّنا نملكها، ونتكّل أحياناً على مصوّرين يعرفون ماذا نريد أن يظهر منا. وكلّما خانتنا مرايانا، نعود إلى الصور لنحفظ ملامحنا التي نحبّ من جديد.

تقول المسؤولة عن قسم علم النفس في كليّة "بارنارد" في جامعة كولومبيا، تارا ويل: "المرايا تستخدم لأداء طقوس الاستمالة الاجتماعيّة، والتحقّق من مظهرنا قبل مقابلة الجمهور"، لافتة إلى أنّه من "خلال تشييء الذات، نُقيّم كيف سنبدو للآخرين. بالنسبة إلينا، المرايا مهمّة لأنّ مظهرنا يحكم كيفيّة تفاعل الآخرين معنا".

المرايا هي ما سنكون عليه بعد قليل إذا ما تحدّثنا إلى آخرين أو ضحكنا معهم. هي صورة نُطورّها بشكل أو بآخر في كلّ يومٍ نقف أمامها. ماذا يتغيّر في وجوهنا بين يوم وآخر؟ مجرّد مواقف وذكريات وأحلام وخوف وكلمات جميلة وأخرى مؤذية. هذه صورتنا على المرآة قبل الملامح المثبّتة في وجوهنا. وكأنّ الملامح تحتلّ مرتبة ثانية في تصنيفنا على المرآة. ويبدو هذا حقيقيّاً إذ تشير الدراسات إلى أن ثماني من أصل عشر نساء غير راضيات عن انعكاساتهن في المرآة.

هي وسيلتنا للتأكّد ما إذا كنّا سنُعجب الآخرين أو ننال رضاهم. الأجملُ هو أن نختلي بالمرآة. في صفوف الرقص، لا جدران. فقط مرايا تنظر إلينا، وتدعونا إلى النظر إليها. وحين نرقص، علينا أن ننظر إلى كلّ هذه المرايا، التي تجعلنا نرى كلّ جزء من أجسادنا. لا نراها لنتحكّم بخطواتنا فقط، بل لنعجب بملامحنا وأجسادنا، ونحبّها، فلا نحتاج إلى آخرين. وحينها، سنحلّق إلى أبعد سماء.

المساهمون