ترابط شعوب الخليج

06 ديسمبر 2017
في الرياض (فايز نور الدين/ فرانس برس)
+ الخط -
لا تقتصر الوحدة في الخليج على الجانب السياسي ممثلة بمجلس التعاون الخليجي، إذ تربط بين مواطني دول الخليج علاقات نسب تمتد منذ مئات السنين. ولا تنحصر علاقات النسب بين الشعوب فحسب، بل تمتد إلى العائلات الحاكمة. وتتحدّر أسرتا آل الصباح (حكام الكويت) وآل خليفة (حكام البحرين) من نسل عشيرة العتوب التاريخية. كما أن بقية عائلات حكام الخليج مثل آل ثاني وآل سعود ترتبط بعلاقات نسب.

يقول الباحث في التاريخ العربي، عبد العزيز العويد، لـ "العربي الجديد"، إنّ وجود قبائل وعائلات في الخليج أقدم من الدول الحديثة وترسيم الحدود. لذلك، تجد ابن القبيلة يعيش في الكويت مثلاً، بينما يعيش ابن عمه في السعودية، وابن عمهما الثالث في البحرين أو قطر. ولا تقتصر هذه العلاقات على وجود روابط عائلية أو قبلية، بل إن الزيجات بين أبناء دول الخليج ترتفع سنوياً، بحسب الإحصائيّات.

وارتفعت نسب الزواج بين الخليجيين والخليجيات، مع انفتاح المجتمعات بعضها على بعض، وسهولة التواصل بين أبناء العم، الذين كانوا يعانون في وقت سابق بسبب قلة وسائل الاتصال، إضافة إلى وسائل النقل. وبلغ عدد الكويتيين الذين تزوجوا من سعوديات أكثر من 700 حالة مسجلة في عام 2017، من أصل 9000 حالة زواج مسجلة، وهو مؤشر على ارتفاع النسبة.

وتعدّ الاجتماعات العائلية التي تنظّم سنويّاً في المدن التي تقطنها العائلات أو القبائل المنتشرة في الخليج، علامة مميّزة على ترابط المجتمع الخليجي، رغم ما يعصف به أحياناً من خلافات سياسية. يقول أبو عمر الريش لـ "العربي الجديد"، متحدثاً عن عائلته التي تقطن مدينتي الكويت والقصيم في السعودية: "الاجتماعات السنوية التي تؤمّن لقاء أبناء العائلات هي فرصة حقيقية لتأكيد التلاحم والتوافق بين أبناء العائلة الواحدة، خصوصاً أبناء الخليج العربي عامة، بغض النظر عن اختلاف الجنسيات والتوجهات السياسية أو الفوارق الطبقية الاقتصادية".

إلّا أنّ الترابط الاجتماعي بين أبناء شعوب دول مجلس التعاون الخليجي يبدو جليّاً أكثر لدى القبائل. ويعيش بعض القبائل مثل آل مرة في خمس دول هي الكويت وقطر والبحرين والسعودية والإمارات. وربّما تكون العائلة الواحدة ضمن القبيلة محتضنة لجنسيات هذه البلدان جميعها، وتعقد اجتماعات عائلية كبيرة وضخمة تتخلّلها فعاليات على غرار عروض الإبل والغنم، وهي الحيوانات المفضلة للبدو، ويتعارف فيها أبناء القبيلة ويوثقون صلاتهم بعضهم ببعض.



من جهته، يقول فهد المري، وهو مواطن قطري الجنسية، لـ "العربي الجديد": "علاقات النسب والدم بين أبناء القبائل في الخليج العربي تتخطى الحدود منذ وقت طويل جداً. حتى إنّ الأزمة الخليجية الأخيرة لم يكن لها تأثير على العلاقة بين العائلات، رغم ما لحقها من تشتّت. وتضطر عائلات كثيرة يحمل أفرادها الجنسية القطرية والسعودية والبحرينية والإماراتية إلى التجمع في الكويت نهاية كل أسبوع، واللقاء فيها للتواصل بعضهم مع بعض.

وتشهد الفعاليات الخليجية دوماً مشاركة لأقرباء وأبناء عم وأنسباء في دول مختلفة في الخليج. وسجّل لاعب نادي الحد البحريني نواف الخالدي هدفاً في مرمى ابن عمه نواف الخالدي، حارس نادي القادسية الكويتي، في كأس الاتحاد الآسيوي في عام 2014. كما أنّ اللاعب محمد سالم العنزي كان يمثل منتخب قطر، فيما كان شقيقه مهند سالم العنزي يمثل منتخب الإمارات.

ويتحدّر الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، من عائلة كثيراً ما تتواجد في الكويت والسعودية أيضاً، الأمر الذي اعتبره الباحث الاجتماعي في جامعة الكويت، خليل خالد، دلالة على الوحدة الخليجية. يقول لـ "العربي الجديد": "ما من اتحاد دول في العالم يمكن أن تجد فيه قائداً للجيش ينتمي إلى عائلة ما في دولة، في وقت يكون ابن عمه وزيراً لدولة أخرى مثل اتحاد الدول الخليجية".

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، والحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم السياسية، فيصل أبو صليب: "أحد أسباب عدم تفكّك مجلس التعاون الخليجي وبقائه كآخر منظومة متّحدة حتى الآن، هو أن الشعوب مترابطة وتصبو إلى الاتحاد النهائي قبل الحكام". ويمكن القول إنّ الوزير والأديب السعودي غازي القصيبي، ووزير النفط الأول عبدالله بن حمود الطريقي، مثالان حقيقيان على اتحاد شعوب دول الخليج. ولد الأول في مدينة الإحساء شرق السعودية، ثم انتقل إلى المنامة حيث درس في مدارس البحرين، قبل أن يصبح أحد أكبر وزراء السعودية التاريخيين، وأشهر أديب فيها على الإطلاق، في وقت ولد الثاني في مدينة الزلفي وسط السعودية، وحين كان طفلاً، انتقل إلى الكويت حيث درس مع أبناء عمومته. بعدها، عاد إلى السعودية ليصبح أول وزير للنفط فيها، ويخوض معركة شهيرة ضد شركات تنقيب النفط الأميركية في سعيه لتأميم النفط لصالح بلده.