أمراء تهريب بشر في ليبيا

18 ديسمبر 2017
في "مأوى آمن".. أخيراً (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صوراً جديدة تُظهر مهاجرين غير شرعيين من ذوي البشرة السمراء يتعرّضون للتعذيب في ليبيا على يد مسلحي عصبات الاتجار بالبشر. ويؤكد مسؤول أمني من طرابلس صحة تعرّض هؤلاء إلى التعذيب على يد عصابات التهريب، مرجّحاً أن تكون المشاهد التي نقلتها الصور المنشورة وقعت في مدينة صبراته، خلال الصيف الماضي. ويشير لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ المباني والخلفيات التي ظهرت في الصور قد تؤكد ذلك.

ويقول المسؤول الأمني، الذي تحفّظ على ذكر اسمه، إنّ "المهرّب الذي نُشِرت صورته معروف لدى جهات الاختصاص وما زال فاراً حتى اليوم، واسمه محمد جمعة النويلي، ويشتهر بلقب البعيبو بين المهرّبين". يضيف أنّه "عنصر غير أساسي بين أمراء عصابات التهريب ويُعدّ وسيطاً للنقل. وبحسب ما يبدو، هو يمتلك مخازن لتجميع المهاجرين الذين يصلون إليه من الصحراء، وأكبرها مخزن في منطقة خرسان. كذلك هو يسيطر على استراحات ومزارع تضمّ حظائر للحيوانات يستغلها كمخازن للمهاجرين". ويوضح أنّ "مهمّة البعيبو تتمثّل في استلام الوافدين من الصحراء وتجميعهم في مخازنه قبل تسليمهم إلى مهرّبين آخرين عند شواطئ البحر".

أمّا عن صحة تعرّض المهاجرين للتعذيب، فيقول المسؤول الأمني نفسه إنّ "الإفادات التي حصلنا عليها من مهاجرين جرى إنقاذهم في صبراته، تشير إلى أنّ المهاجرين تعرّضوا إلى ربط أرجلهم وأيديهم وجرى كيّهم بالنار حتى الصراخ. وكان يُطلب من الواحد منهم الاتصال بأهله من أجل طلب فدية مالية لتلك العصابات، وهو يتأوه ويتألم". ويؤكّد أنّ "السلطات تسعى بشكل حثيث إلى القبض على هؤلاء المهرّبين والاقتصاص منهم على خلفية الجرائم التي ارتكبوها".

من جهته، يكشف المسؤول في غرفة محاربة "داعش" التابعة لحكومة الوفاق في صبراته، العربي بالنور، لـ "العربي الجديد"، أنّ "السلطات تطارد 13 مهرّباً بارزاً كانوا يزاولون نشاطهم في صبراته وصرمان، قبل أن تقتحم الغرفة بقواتها المدينتَين وتتمكّن من السيطرة عليهما، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد مواجهات دامت أكثر من شهر". ويؤكد بالنور أنّ "الغرفة وسلطات المدينة المحلية سلّمتا جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية 18 ألف مهاجر عُثِر عليهم في مخابئ المهرّبين ومخازنهم. بعض هؤلاء أُجبِر على القتال في صفوف تلك العصابات، بينما عُثر على غيرهم في حالة سيئة جداً".


ويتهم بالنور الأوروبيين بتسهيل عمل عصابات الهجرة، فيقول: "عندما تقف سفن المنظمات الأوروبية بمحاذاة شواطئ ليبيا وتلتقط المهاجرين على بعد كيلومترات قليلة، فإنّ هذا يعني تشجيع المهاجر على خوض مغامرة الموت لسهولة الوصول إلى أوروبا. فسفن الإنقاذ الأوروبية تتكفّل بالمسافة المتبقية بطريقة آمنة". ويرى بالنور أنّ "هذه الجهود يجب أن تُوجّه صوب الحدود الجنوبية لليبيا، وهو الممرّ الرئيسي للمهاجرين ونشاط عصابات التهريب".

ويتابع بالنور أنّ "نشاط التهريب ما زال قائماً نسبياً في مدن مثل الزاوية غربيّ طرابلس والقربولي شرقها، حيث ما زال مهرّبون ينشطون من دون رادع. لذا، فإنّ المطلوب هو تنسيق الجهود الدولية مع حكومة الوفاق وقوّاتها لإنهاء هذه الظاهرة من خلال ضبط الحدود ومعالجتها في الدول الأفريقية المصدر الأول للمهاجرين".

إلى ذلك، يكشف المسؤول الأمني المذكور آنفاً، عن تفاصيل في ملف المهربين في صبراته، ويقول إنّ "البعيبو كان مسعفاً في مستشفى صبراته، قبل أن ينضمّ إلى الثوّار في عام 2011. وبعدما بدأ ينشط التهريب، شارك في عمليات لتهريب الوقود ثمّ البشر، عندما تأسّست مليشيا مرتبطة بالمليشيات الأخرى، أكثر نشاطاً وانتشاراً في المدينة". ويتابع أنّ "الملف لدينا ثقيل جداً، ونحن على تواصل مع جهات عربية ودولية، من أجل القبض على رؤوس التهريب الفارين، وليس صحيحاً ما يُشاع عن أنّ أحمد الدباشي، الشهير بالعمو، هو المهرّب الأبرز. فثمّة أشخاص آخرون من أمثال يحيى الدباشي الذي يُعَدّ العقل المدبّر لمعظم المهرّبين. كذلك فإنّ العصابات تقسم عملها بين مختصّين في تهريب الأفارقة وآخرين في تهريب العرب، وأبرزهم السوريون. فنحن رصدنا نشاطاً في صبراته لمهرّب يُدعى علاء من سورية، وآخر يُدعى عبد الرحمن الكواش، اللذَين لهما اتصالات وعلاقات وثيقة مع مهرّبين وراء البحر ينسّقان عبرهم الرحلات". ويتحدّث المسؤول الأمني كذلك عن "متخصّصين في توفير قوارب الموت، وهم أفراد أسرة الشعاب. بعض منهم يجوب المدن الليبية لشراء القوارب بأسعار خيالية بلغت حدّ 300 ألف دينار ليبي (نحو 220 ألف دولار أميركي) للقارب الواحد مهما كانت حالته".

ويشير المسؤول الأمني نفسه إلى أنّ "شخصيات أخرى متورّطة في عمليات التهريب، وهم يُعرَفون بالاستخبارات، إذ يوفّرون المعلومات الخاصة بالأوقات المناسبة لانطلاق القوارب في البحر، من خلال معرفتهم بمواقيت دوريات خفر السواحل الليبي قبالة سواحل المدينة". ويؤكّد أنّ "الشبكات معقدة جداً، فالأشخاص الذين نرصدهم مرتبطون بآخرين في أفريقيا وبمافيات أجنبية وراء البحر. وملاحقتهم خارج ليبيا تحتاج تجاوباً من قبل الدول التي يقيمون فيها". ويتحدّث كذلك عن "تورّط مواطنين في نشاط التهريب، من خلال تأجير مبانٍ خاصة بهم لعصابات التهريب، لتستخدمها كمخازن لجمع المهاجرين".