يونانيون يعودون إلى إسطنبول

05 نوفمبر 2017
موسم العودة إلى إسطنبول (أوزان كوزيه/ Getty)
+ الخط -

بالرغم من انخفاض تعداد اليونانيين الأتراك المسجلين إلى أقل من 2000 نسمة، تشير أرقام جمعية دعم الأملاك اليونانية في البلاد إلى عودة نحو 200 يوناني مرة أخرى للاستقرار في مدينة إسطنبول، خلال السنوات العشر الماضية، خصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ما زالت تعاني منها الحكومة في أثينا.

بعد اتفاقية تبادل السكان بين كلّ من اليونان وتركيا التي جرى توقيعها عام 1923 إلى جانب معاهدة لوزان التي اتخذت الانتماء الديني أساساً لها، انتقل مليون و200 ألف من أتباع كنيسة الروم الأرثوذكس من الأناضول إلى اليونان، بينما استقبلت تركيا 500 ألف مسلم من الأراضي اليونانية. واستثنت معاهدة مبادلة السكان اليونانيين في إسطنبول وجزيرتي غوكجا وبوزجا التركيتين في بحر إيجه، والمسلمين الأتراك في منطقة تراقيا الغربية (شرق اليونان). وبينما كان تعداد اليونانيين في مدينة إسطنبول حتى عام 1955 ما بين 100 ألف و150 ألفاً، انخفض العدد إلى 2000 فقط اليوم، بينما يستمر نحو 50 ألف تركي، بحسب إحصائيات يونانية، بالعيش في منطقة غرب تراقيا، بما يشكل نصف تعداد سكان المنطقة.

اندلعت أحداث الخامس والسادس من سبتمبر/ أيلول 1955 كما يطلق عليها الأتراك في مدينة إسطنبول وباقي المدن التركية، بعدما تعرض أتراك قبرص لهجمات من قبل عصابات الإينوسيس (الاتحاد) اليونانية القبرصية الداعية إلى الوحدة مع اليونان، لتنشر حينها جريدة "حريت" التركية خبراً مفاده أنّ اليونانيين الإسطنبوليين جمعوا الأموال للتبرع بها لعصابات الإينوسيس، تلاها انتشار أخبار كاذبة عن تنفيذ هجوم بقنبلة على المنزل الذي ولد فيه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال (أتاتورك) في سالونيك في غرب تراقيا، ليبدأ القوميون الأتراك المتعصبون هجمات على محال ومنازل اليونانيين الأتراك وبقية الأقليات المسيحية، ما دفع الحكومة إلى إعلان الأحكام العرفية في المدينة، بعدما أدت الأحداث إلى مقتل نحو 15 شخصاً وجرح ما قد يصل إلى 330، والاعتداء على الآلاف من المحال والمعامل والمنازل العائدة لليونانيين، ما دفعهم للهرب.

يتذكر يانيس سيافيكانيس (1952)، منطقة بالات في مدينة إسطنبول والتي هجرها مع أهله منذ خمسين عاماً كما لو كانت البارحة. يقول: "كان لدى والدي محل حدادة هنا، وكنت أذهب سعيداً إلى المدرسة وفيها أصدقائي من الأتراك، لكن فجأة جاء والدي إلى المنزل عام 1967 وأبلغنا بأنّنا سنرحل، وبالفعل ذهبنا واستقرينا في أثينا. لكنّي لم أستوعب الأمر في أي وقت، وبقي قلبي معلقاً بإسطنبول". عن سبب عودته، يضيف سيافيكانيس: "غادرت تركيا مراهقاً، واحتفظ عقلي باللغة، تزوجت وبات عندي أولاد وكبروا وتقاعدت، توفي والداي وكانا صغيرين، وبعد هذا العمر لم يفارقا بالي، فعدت إلى ما بقي لي منهما ومن حياتي ومن طفولتي، عدت إلى جذوري في إسطنبول. عندما وصلت، شعرت بأنّي عدت للحياة، وبأنّي أتنفس من جديد".



قصة أدونيا خريستودو (1980)، مختلفة، وهي التي ولدت في أثينا لوالدين يونانيين من تركيا ولدا في يني كوي في مدينة إسطنبول. تقول: "في المرة الأولى لم أجد عملاً كما أرغب في اليونان، وبدلاً من التوجه إلى الدول الأوروبية ذات الاقتصاد القوي، عدت إلى تركيا لمدة ستة أشهر في البداية ثم غادرت إلى اليونان لأعود بعدها إلى إسطنبول وأستقر بشكل نهائي. أحب هذا المكان وأتحدث اللغة التركية. في البداية سكنت في بشيكتاش في إسطنبول، لكنّي كنت أقضي معظم وقتي في يني كوي أبحث عن آثار أبي وجدي. رفض والداي في البدء زيارتي لإسطنبول لأنّه كان أمراً قاسياً عليهما، لكن بعد ذلك سافرا إلى تركيا وزرنا معاً أماكن ذاكرتهما في المدينة واحداً واحداً".

يقول رئيس جمعية دعم الأوقاف اليونانية في تركيا، أندون باريزيانوس: "عندما كان تعداد سكان إسطنبول مليون نسمة عام 1955 كان تعداد اليونانيين فيها أكثر من 100 ألف نسمة، لكن بعد أحداث السادس والسابع من سبتمبر، توجهت أعداد من اليونانيين الأتراك إلى اليونان بنسبة قليلة، لأنّ الاقتصاد اليوناني حينها كان يعاني من مشاكل كبيرة، وبعد الهجمات والمخاوف، تمكن اليونانيون الأتراك من إعادة إنشاء حياتهم في أحياء أخرى في إسطنبول وتركوا أماكن تجمعاتهم التاريخية في المدينة، مثل حي بالات وفنر. لكن، بعد عام 1964 بدأت عملية التهجير الكبرى، إذ جرى ترحيل كلّ اليونانيين من حملة الجنسية اليونانية، لتكون آخر موجات الهجرة عام 1974 خلال العمليات في قبرص، فباع اليونانيون الأتراك منازلهم ورحلوا".

وعن أرقام العائدين، يقول باريزيانوس: "لا أرقام دقيقة عن أعداد العائدين إلى إسطنبول، لكننا نخمن أعداد العائدين خلال السنوات العشر الأخيرة بما بين 2000 و3000 شخص. قبل ذلك، لم تجرِ أيّ عودة، كما عاد البعض في الفترة الأخيرة إلى اليونان بسبب المخاوف التي أثارتها المحاولة الانقلابية الفاشلة، وهجمات تنظيم داعش". يضيف: "عودة 200 شخص مقارنة بـ150 ألفاً كانوا في إسطنبول حتى الخمسينيات رقم هامشي، لكن بالنسبة إلى مجتمع مكون من أقل من ألفي شخص فهو رقم مهم".