محطات نووية في دول عربية

05 أكتوبر 2017
في الذكرى السادسة لحادثة فوكوشيما (فريديريك فلورين/ فرانس برس)
+ الخط -
مع توجّه دول عربية إلى إنشاء محطات نووية على أراضيها، يتحدّث خبراء بيئيون عن خطورتها، وإن كان آخرون يشيرون إلى مدى أمانها وأهميّتها في آن

بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على كارثة تشيرنوبيل النوويّة في أوكرانيا، وتدارك الأخطاء التي أدت إلى وقوعها، تتّجه أعداد متزايدة من الدول النامية في آسيا وأفريقيا إلى توظيف الطاقة الذرية لتلبية احتياجاتها المتزايدة من كهرباء وغيرها، وإحداث نقلة تكنولوجية.
توجّه ينسحب أيضاً على العالم العربي، وقد شرعت الإمارات العربية المتحدة في بناء محطة "براكة" النووية على بعد 250 كيلومتراً جنوب غرب أبوظبي، بواسطة شركة "كوريا إلكتريك باور كورب" الكورية الجنوبية. واختار الأردن ومصر مؤسّسة "روس آتوم" الروسية لبناء أول محطّتين على أراضيهما، وتتطلّع دول عربية أخرى لإطلاق مشاريع نووية خاصة بها.

وتُثير المشاريع النووية المحتملة في العالم العربي مخاوف المعنيّين بحماية البيئة، بسبب خطورة الحوادث النووية على غرار تشيرنوبيل وفوكوشيما في اليابان، خصوصاً أن بعض الدول العربية تشهد اضطرابات أمنية وسياسية، ناهيك عن خطر وقوع زلازل، كما حدث في مصر في عام 1992. إلّا أن البروفيسور في الأكاديمية الروسية لعلوم البيئة، سيرغي بارانوفسكي، يقلل من هذه المخاطر، مشيراً إلى أن المحطات النووية ستغطي احتياجات الدول العربية من الطاقة النظيفة بيئياً لأكثر من نصف قرن. يقول بارانوفسكي لـ"العربي الجديد": "تشكل الطاقة النوويّة عنصراً أساسياً للانتقال إلى اقتصاد منخفض الهيدروكربونات لتلبية احتياجات الناس والاقتصاد، كالكهرباء في دول مثل الأردن". يضيف: "يبلغ متوسّط العمر الافتراضي للمحطة النووية 60 عاماً، ما يعني أن هذا استثمار للمستقبل، يساهم في تطوير الاقتصاد والارتقاء بمستوى العلوم والتعليم والصناعة والتكنولوجيا والأبحاث".

وحول معايير الأمان المعتمدة لدى إنشاء المحطات النووية، يقول بارانوفسكي: "تعدّ المحطات النووية الحديثة من أكثر المنشآت الصناعية أماناً، إذ تتضمن المعايير الدولية ما بعد فوكوشيما شروطاً صعبة لاختيار ساحة البناء مع مراعاة قدرتها على تحمل الهزات الأرضية، وضمان درجات عالية من الحماية من التأثيرات الخارجية سواء أكانت بيئية أو تكنولوجية". ويوضح أن "المفاعلات الروسية من الجيل 3+ تضع في الحسبان نتائج اختباراتها في ظروف صعبة، ولا تبدأ البناء إلا بعد التأكد من مطابقة الساحة المخصصة للمحطة لمتطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

ويضرب بارانوفسكي أمثلة على صمود المحطات النووية في وجه الكوارث الطبيعية، قائلاً: "تحملت المحطة النووية الأرمينية زلزالاً مدمراً بقوة أكثر من سبع درجات على مقياس ريختر في نهاية الثمانينيات، ووحدتها الثانية مستمرة في عملها حتى الآن، وتوفر نحو ثلث الطاقة الكهربائية المنتَجة في البلاد. وأثناء إعصاري هارفي وإرما الأخيرين في الولايات المتحدة، كادت المحطات النووية أن تكون المصدر الوحيد للطاقة الذي لم يتأثر بالكوارث الطبيعية".

وحول التداعيات البيئية المحتملة للطاقة النووية، يقول: "المحطات النووية هي مصدر طاقة نظيفة بيئياً، لأنها على عكس المحطات الكهروحرارية، لا تستهلك الأوكسجين ولا تتسبب في انبعاث مواد ملوثة وسامة ومسرطنة". وفي ما يتعلق بالجدوى الاقتصادية من بناء المحطات النووية للدول الخليجية الغنية بالنفط والغاز، يوضح أن "تطوير قطاع الطاقة الذرية لهذه الدول سيتيح تخصيص كميات إضافية من الهيدروكربونات للتصدير".



من جهة أخرى، يخشى الناشطون البيئيون وقوع كوارث في المحطات النووية، وسط تساؤلات حول كيفية التخلص من النفايات النووية والأمان. من جهته، يرى الباحث في شؤون البيئة والطاقة في منظمة "غرينبيس روسيا"، رشيد عليموف، أنه ينبغي على الدول العربية الاستفادة من إمكانياتها الهائلة في توليد الطاقة الشمسية والرياح، بدلاً من الوقوف على طريق الطاقة النووية المحفوف بالمخاطر.

يقول عليموف لـ"العربي الجديد": "الطاقة الذرية تشكل خطورة، ليس بسبب احتمال وقوع حوادث فحسب، بل أيضاً بسبب النفايات النووية التي ستضطر الأجيال المقبلة للعمل على التخلص منها. وبسبب زيادة عدد المحطات وتشديد معايير الأمان، ستزداد أيضاً كلفة نقل النفايات النووية إلى مسافات بعيدة".

وحول مصادر الطاقة البديلة المتوفرة لدى الدول العربية، يقول: "تشهد مصر تطوراً في إنتاج طاقة الرياح، وهناك إمكانيات هائلة وتجارب ناجحة لمحطات الطاقة الشمسية، كما هو الحال في المغرب مثلاً". ورغم المعايير العالية لأمان المحطات النووية الحديثة، إلا أن عليموف يذكّر بأن حادثتي تشيرنوبيل وفوكوشيما، شأنهما في ذلك شأن أي كارثة كبرى، نجمتا عن مجموعة من العوامل. وفي كل مرة، يؤكد المعنيون أن تكرار الحوادث مستبعد، لكنها تقع من جديد.

وبحسب خبراء الطاقة النووية، فإن كارثة تشيرنوبيل التي أسفرت عن أكبر تلوث إشعاعي في التاريخ، نجمت عن أخطاء المشغلين وعلماء الفيزياء وعيوب المفاعل، بينما اتضح بعد حادثة فوكوشيما أنه لا بد من توفير تبريد خارجي للمفاعلات تحسبا لوقوع طوارئ.

دلالات