قهوة الإخوة قاسم...علق التراث في أزقة سوق القيسارية بغزة

21 أكتوبر 2017
لا يمكن المرور دون تذوق قهوتهم(عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -


يُقدِم الفلسطيني يوسف قاسم (35 عاماً)، من مدينة غزة، القهوة لزبائنه بطريقة مختلفة، إذ يحمل صينية مزينة بالأواني النحاسية القديمة، تعبق برائحة القِدَم والتراث، يطوف بها أزقة وممرات سوق الذهب في منطقة غزة القديمة، شرقي المدينة، في القطاع الذي لا يزال محاصراً.

مزجُ العمل في منطقة تراثية، أثرية، باستخدام أوان نحاسية لتقديم القهوة، حمل طابعاً مختلفاً عن تقديم المشروبات الساخنة، أراد من خلاله أصحاب مقهى الإخوة قاسم، ترك بصمتهم الخاصة، التي تفوح برائحة التراث والتاريخ، تعززها أثرية المكان، وجدرانه الطينية، المزينة بالقباب، والمعمار الهندسي القديم.

ويختص عمل الإخوة في سوق الذهب الأثري، أو ما يعرف تاريخياً باسم "القيسارية"، وهو عبارة عن ممر ضيق، تتفرع منه مجموعة ممرات، ويحمل بناؤه الطابع الهندسي القديم، ويتزين بمجموعة من الأقواس والقباب، ويقع إلى الشمال من غزة القديمة، لتداول وبيع وصناعة كل أصناف الذهب والأحجار الكريمة.

ويقول يوسف قاسم، لـ"العربي الجديد"، إن والده عمل في هذه المهنة قبل 40 عاماً، وكان عبارة عن "صندوقة" صغيرة يصنع فيها القهوة والمشروبات الساخنة لأصحاب المحال التجارية وللباعة الجائلين، كذلك لبعض الزبائن والمارة في سوق القيسارية التاريخي.

ويضيف: "منذ الصغر، كنت أذهب برفقة إخوتي مع والدي، إلى أن تعملنا طريقته في تجهيز القهوة، وترتيب الأواني، وطريقة تنسيقها، واستمر العمل حتى الآن، بعد أن قمنا باستئجار محل خاص بنا، لتطوير العمل، حتى نتمكن من توفير طلبات الزبائن بشكل أكبر وأسرع".

ويقول إن تقديم القهوة بالأواني النحاسية يحمل طابعاً مختلفاً لدى الزبائن عن استخدام الأواني المطبخية العادية، مضيفاً: "شكل الأواني النحاسية، والذي يحمل طابعاً قديماً، يفتح شهية الزبائن لشرب القهوة، إلى جانب الطلبات الثابتة لأصحاب المحال التجارية".

يوسف بدا مرتاحاً في حديثه مع "العربي الجديد"، ويوضح أن العمل ممتع على الرغم من التعب، إذ إن توزيع الطلبات يتطلب جهداً إضافياً، إلى جانب تحضير وتجهيز الأدوات، مضيفاً: "لا شك أن الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يمر بها المواطن الفلسطيني في قطاع غزة أثرت على عملنا، ولم يعد مثل السابق، لكننا لا زلنا متمسكين به، حتى أصبح جزءاً منا".


إناء نحاسي يتسع لفنجان واحد من القهوة(عبد الحكيم أبو رياش) 





أما زكريا قاسم (40 عاماً)، فيوضح لـ"العربي الجديد"، أن فكرة استخدام أوان نحاسية في العمل بدأت حين زار والده مصر، وشاهد تقديم القهوة بهذا الشكل، ما دفعه إلى البدء باستخدامها مع مطلع التسعينيات. ويوضح زكريا أنهم أصبحوا يستخدمون هذه الأدوات وهو ما بات يميزهم عن غيرهم، حيث يهوى الزبائن رؤيتها، بسبب النكهة الخاصة المرتبطة بها.

ويتابع: "بدأت العمل مع والدي منذ بداية حياتي، حيث كنت أذهب لمساعدته بعد انتهاء الدوام المدرسي، إلى أن أتقنت العمل وتجهيز الشاي، القهوة، الزهورات، اليانسون، الزنجبيل، الزعتر، الحلبة، البابونج، وبعض المشروبات الشتوية، مثل السحلب، والقينر".

ويشير قاسم إلى أن عملهم يبدأ من الساعة الثامنة صباحاً حتى ساعات المساء، مضيفاً: "نقدم القهوة بنكهة خاصة بنا، التزمنا بها منذ 30 عاماً، وهي قهوة سوداء فيها نسبة من الهيل"، مضيفاً: "يتم وضع (تلقيمة) القهوة في الإناء النحاسي والذي لا يتسع سوى لفنجان واحد، ومن ثم تعبأ بالماء الساخن، ويتم غليها، وتقديمها للزبون، إلى جانب الفنجان الفارغ".


قهوة تصل إلى المحال التجارية وفق الطلب(عبد الحكيم أبو رياش) 


مهنة متوارثة والناس اعتادت عليها(عبد الحكيم أبو رياش) 



الشاب محمود قاسم (19 عاماً)، وهو ابن شقيق يوسف، كان يتجهز لتوصيل طلب القهوة، ويقول إنه كان يرافق جده وهو في الابتدائية، إذ كان يلحظ مدى حب جده لمهنته، ما زاد من تعلقه بها، مضيفاً: "يتعبني توصيل الطلبات، لكنني أصبحت معتاداً على الأمر".

ويُقسم الإخوة العمل بينهم، إذ يقوم زكريا بتجهيز الماء المغلي والقهوة والأواني، بينما يوزع يوسف القهوة على أصحاب المحال التجارية داخل سوق الذهب، ويوزع محمود القهوة في المنطقة المجاورة للسوق، ويقوم عبد الله بتوزيعها في شارع عمر المختار الرئيسي.

وبات الإخوة قاسم علامة مميزة في السوق الأثري القديم لغزة، وبات المارة يفضلون شرب قهوتهم على شربها في أماكن أخرى وبسطات أعدت في وقت لاحق، وصار لهم اسم وعمل مرتبط بهم رغم كثرة من دخل على خط العمل نفسه، لكن بأدوات عادية معتادة لا تلقى اهتمام الزبائن في تلك المنطقة.


 
 
المساهمون