رجل الثلج يثور في الجزائر

28 يناير 2017
سابقاً كان مجرد كتلة ثلجية (حسين زورار/ فرانس برس)
+ الخط -

لم يعد رجل الثلج في الجزائر مجرد تعبير فني سرعان ما يذوب، بل تحوّل إلى مشهد مفخخ برسائل اجتماعية وسياسية يصفع بها الشباب السلطة والمجتمع معاً. فالجزائريون المقيمون في الشمال لطالما نظروا إلى الثلج الذي يغزوهم ما بين شهري ديسمبر/ كانون الأول وفبراير/ شباط، بعين السخط والرضا في الوقت نفسه. فهو من جهة يفسد يومياتهم بقطع الطرقات وعزل المناطق عن بعضها، ويحقنهم بجرعة زائدة من البرد، خصوصاً في الأماكن التي لم تحظ يوماً بغاز المدينة، ما يخلق حالة من الارتباك العام. لكنّه، من جهة أخرى، يخلق فيهم حالة من التغيير، فتنتعش حالة من اللعب تغري الكبار والصغار.

يأتي نحت رجل الثلج في صدارة "الشغلات" التي تفرض نفسها في تلك المناطق البيضاء. تجده مغروساً في مداخل الأحياء السكنية وعلى جنبات الطرق وفي الساحات العمومية، مستقطباً الكبار والصغار لالتقاط صور تذكارية معه، قبل أن يذوب في الواقع، لكنّه لا يذوب أبداً في الصور.

تقودنا مقارنة بسيطة بين رجل الثلج الحالي ونظيره الذي كان ينحت في السنوات الماضية، إلى ملاحظة الدقة الفنية التي صار عليها، حتى إنّ تجسيده يكاد ينطق اليوم لدرجة الحرفية العالية في صنعه. سابقاً كان مجرد كتلة ثلجية بيدين من حطب. وهو ما يعدّ مؤشراً على تطور المهارة لدى الجيل الجديد الذي راح يتفنّن في إضفاء لمسات وإضافات عليه، مثل أحمر الشفاه والقبعات والشعر المستعار والغليون، فكأنّه إنسان في حالة تنكّر لا غير.

ساهم موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في تعزيز هذه الظاهرة وانتشارها، باستقباله صور ومقاطع فيديو الشباب في هذا الباب، ما أوجد حالة من التنافس بينهم، ساهمت هي الأخرى في تحسين الأداء. يقول الطالب الجامعي طاهر هيشور إنّه يقف مندهشاً أمام بعض النماذج التي يصادفها في "فيسبوك" و"يوتيوب"، ويتمنى لو أنّها تصمد في وجه الذوبان، فتبقى تماثيل دائمة، في ظل افتقاد الساحات الجزائرية إلى تماثيل جميلة. يتساءل: "ما معنى أن تلجأ المؤسسات الحكومية المختلفة إلى نحاتين محترفين لتكريم شخصياتنا الوطنية، فتكون أقل دقة وجمالاً من رجال الثلج الذين يبادر الشباب العاديون إلى صنعها في الشوارع"؟ يضيف: "من بين ما نستنتجه من جمال رجال الثلج اليوم، أنّ هناك جيلاً مبدعاً، لا يجد المنابر التي يمارس فيها مواهبه ويفرغ طاقاته الخلّاقة".




من هنا، لم يعد رجل الثلج فرصة فنية فقط للشاب الجزائري، كما كان في السابق، بل بات أيضاً فرصة لتمرير رسائل سياسية واجتماعية للرأي العام، تتكفل مواقع التواصل الاجتماعي بإيصالها إلى الرأي العام، بعيداً عن الرقابات المختلفة. مسّت هذه الرسائل مواضيع مختلفة، منها غلاء المهور، والهجرة غير الشرعية، ومرض رئيس الجمهورية، وعنف المدرّسين، وارتفاع أسعار بعض السلع مثل الموز. يقول طالب علم الاجتماع محمد لونيس: "بات رجل الثلج ساعي بريد الشباب، ينقل رسائلهم بأمانة، ويكون أثرها في النفوس أعمق من البيانات والمقالات، فكأننا نصدقه ونعتبره لا يكذب".

يشير لونيس إلى روح الدعابة لدى الجيل الجديد، وميله إلى السخرية والنكتة والضحك الأسود: "وضع الشنب والسيجارة والنظارات والقبعة وأحمر الشفاه لرجل الثلج أو أنثاه، وكسوته، كلها إشارات إلى أنّ الشباب لم يعودوا يتعاملون معه على أنّه تسلية مؤقتة تزول بذوبانه، بل هو كائن حيّ يتكفل بنقل رسائله المختلفة، في ظل منظومة اجتماعية وسياسية لا تسمعه ولا تحترم خياراته، وإن سمعته فلا تأخذ بها".

يقول: "انتشرت صورة لرجل ثلج متكئ يحمل زجاجة جعة، وهي تدلّ على الاستقالة المعنوية التي باتت تنخر الشباب الذين لا يجدون فرصاً لهم داخل أسرهم وداخل محيطهم العام، فانخرطوا في حرق أوقاتهم في الحانات وفضاءات الحشيش". يضيف: "تجسدت هذه الروح أيضاً في رجل الثلج الذي يجذف في قارب، في إشارة إلى أنّ الشباب يرون في الهجرة غير الشرعية الأفق الذي بقي لهم، فانتشر بينهم شعار: يأكلني الحوت ولا يأكلني الدود... أي أفضّل أن يأكلني الحوت في أعالي البحار، على أن أدفن في التراب فيأكلني الدود".

ممّا لوحظ في رجال الثلج الجزائريين، في السنتين الأخيرتين، الميل إلى العنف والطقوس الدينية. من ذلك انتشار فيديو عام 2015 في "يوتيوب" فجّر فيه رجل الثلج نفسه. فقد عمد صانعوه إلى تفخيخه، وهم في حالة من الضحك والاستمتاع. أمّا صورة هذا الموسم في "فيسبوك" ففيها رجل ثلج مسجّى على طاولة ملفوفاً بسجادة صلاة، وخلفة رجال ثلج يصلّون عليه صلاة الجنازة.

يعلّق الموسيقي وليد بورزاح على تلك الصورة بالقول إنها صفعة إلى الجانب الفني والإنساني البريء لرجل الثلج، وتوريطه في أبعاد وحشية لا تليق به: "سوف أحذف كلّ من يقول لي إنّ ما في هذه الصورة عمل فني". من جهتهم، ذهب آخرون إلى أنّ هناك جرعة زائدة من العنف باتت تسكن خيال وواقع الشباب، لأسباب موضوعية كثيرة، تغفل عنها المنظومات المختلفة، وقد تجلّت في أكثر من حركة، منها رجل الثلج.