الكتابة عن "فيسبوك" و"تويتر" أو "واتساب" وغيرها ممّا يسمّى "وسائل التواصل الاجتماعي" - وربما هي في كثير من الحالات وسائل قطع وعزل اجتماعي - لها اليوم جمهورها. معظمنا يعرف هذه الوسائل ويبحر أكثر في ظواهرها وخفاياها، فيحاول أن يبدو محترفاً، أو ينقطع عنها ويزهد بها. هي محورية في حياة كثيرين إذاً. لكن، بعد سنوات، أكانت قصيرة أم طويلة، لن يعرف غير قليلين ماهية هذه الوسائل. ستكون الكتابة عنها أشبه ما تكون بالكتابة اليوم عن فيلم الكاميرا الملون ذي الأربع والعشرين صورة.
سكة التطور تحمل كلّ يوم شيئاً جديداً إلى مستهلكين لا يشعرون بكثير من القيمة لما يستخدمون إذا ما حلّت لحظة التبديل. فتغيير التقنيات والأدوات بسرعة بات عادة مقبولة، وربما إدمان لافت على كلّ جديد تقني، مهما تمسّك أحدهم بقديمه من الأعراف. هو دأب الشركات أساساً في طرح طرازات مختلفة عاماً بعد عام، قد لا تختلف بأكثر من خاصية واحدة أو اثنتين. وربما لا تختلف أبداً بالنسبة لشخص لا يستخدم أساساً كلّ ما يحتويه جهازه، بل الحدّ الأدنى منه. فأيّ فارق سيتشكل لديه إذا جرى تحسين نظام التموضع العالمي (جي بي إس) في الطراز الجديد، وهو لا يستخدم ذلك النظام أساساً!؟ لا شيء أبداً.
سكة التطور تلك، ومواكبة الجديد، لا تقتصر على الأدوات والأجهزة. هي تمتد إلى الحالة المزاجية والأفكار والمعتقدات والنشاطات الشخصية لكلّ واحد منّا. فموقع مثل "فيسبوك" يتحول إلى معرض للطبخ اليومي لدى ربة المنزل، وإلى مسابقة جمال أنثوية وذكورية لدى شابة أو شاب، وإلى منبر مسجد وكنيسة وخطاب سياسي لدى من يترفّعون عن لذّتي الأكل والجنس، ويعتنقون لذة التباهي منذ عشرات القرون: "نحن الحقّ وغيرنا باطل". هو تسليع متعدد الأطراف لا شكّ، يكشف كلّ مختبئ فينا، ويمنح سلطة عظمى، لكن موهومة، لكلّ مستخدم كائناً من كان، وأينما كان.
كلّ واحد منّا يحسب نفسه قادراً على تحريك الشارع من إدراج أو تغريدة. كلّ واحد منّا يحسب نفسه كاتباً عظيماً في سطرين خطّهما وأعجب فيهما هو نفسه قبل أن يدلي غيره بسطول "لايكاتهم" و"قلوبهم" و"واوات إعجابهم" من دون أن يقرؤوا ما كتب حتى.
العالم مليء بالكتابة عن كلّ شيء. المستخدمون يفهمون في كلّ شيء. هم يتابعون الأخبار... ويصنعونها في كلّ مكان. أحدهم يعلن عن حملة تضامن، فيلحقه رتل من المريدين. المحركات القومية والدينية والمذهبية في أوجها. لكنّ السلطة الحقيقية ما زالت مكانها. هي في يد نظام تقليدي متعفن في تقليديته ينتظرهم خلف الحائط كي يمارس حسّه المعرفي - السلطوي المعهود: قمع وحبس وإخفاء قسري وقتل. لن تنفع كلّ المشاركات و"اللايكات" والقلوب من بعدها.
اقــرأ أيضاً
سكة التطور تحمل كلّ يوم شيئاً جديداً إلى مستهلكين لا يشعرون بكثير من القيمة لما يستخدمون إذا ما حلّت لحظة التبديل. فتغيير التقنيات والأدوات بسرعة بات عادة مقبولة، وربما إدمان لافت على كلّ جديد تقني، مهما تمسّك أحدهم بقديمه من الأعراف. هو دأب الشركات أساساً في طرح طرازات مختلفة عاماً بعد عام، قد لا تختلف بأكثر من خاصية واحدة أو اثنتين. وربما لا تختلف أبداً بالنسبة لشخص لا يستخدم أساساً كلّ ما يحتويه جهازه، بل الحدّ الأدنى منه. فأيّ فارق سيتشكل لديه إذا جرى تحسين نظام التموضع العالمي (جي بي إس) في الطراز الجديد، وهو لا يستخدم ذلك النظام أساساً!؟ لا شيء أبداً.
سكة التطور تلك، ومواكبة الجديد، لا تقتصر على الأدوات والأجهزة. هي تمتد إلى الحالة المزاجية والأفكار والمعتقدات والنشاطات الشخصية لكلّ واحد منّا. فموقع مثل "فيسبوك" يتحول إلى معرض للطبخ اليومي لدى ربة المنزل، وإلى مسابقة جمال أنثوية وذكورية لدى شابة أو شاب، وإلى منبر مسجد وكنيسة وخطاب سياسي لدى من يترفّعون عن لذّتي الأكل والجنس، ويعتنقون لذة التباهي منذ عشرات القرون: "نحن الحقّ وغيرنا باطل". هو تسليع متعدد الأطراف لا شكّ، يكشف كلّ مختبئ فينا، ويمنح سلطة عظمى، لكن موهومة، لكلّ مستخدم كائناً من كان، وأينما كان.
كلّ واحد منّا يحسب نفسه قادراً على تحريك الشارع من إدراج أو تغريدة. كلّ واحد منّا يحسب نفسه كاتباً عظيماً في سطرين خطّهما وأعجب فيهما هو نفسه قبل أن يدلي غيره بسطول "لايكاتهم" و"قلوبهم" و"واوات إعجابهم" من دون أن يقرؤوا ما كتب حتى.
العالم مليء بالكتابة عن كلّ شيء. المستخدمون يفهمون في كلّ شيء. هم يتابعون الأخبار... ويصنعونها في كلّ مكان. أحدهم يعلن عن حملة تضامن، فيلحقه رتل من المريدين. المحركات القومية والدينية والمذهبية في أوجها. لكنّ السلطة الحقيقية ما زالت مكانها. هي في يد نظام تقليدي متعفن في تقليديته ينتظرهم خلف الحائط كي يمارس حسّه المعرفي - السلطوي المعهود: قمع وحبس وإخفاء قسري وقتل. لن تنفع كلّ المشاركات و"اللايكات" والقلوب من بعدها.