لمّ شمل

27 سبتمبر 2016
نستعيد بعضاً من أماكن اللعب الأوّل (أولغ نيكيشين/ Getty)
+ الخط -

"لمّ شمل" تعبير بات مصطلحاً عليه، لا سيّما مع أزمتَي الهجرة واللجوء المستعرّتَين حول العالم. وتُحدَّث تباعاً القوانين التي تحكمه، سعياً إلى تحقيق توازن بين حقّ أفراد الأسرة الواحدة في العيش معاً في نقطة جغرافيّة واحدة من المعمورة وبين حقّ البلد المضيف في ضبط معدّلات الهجرة. هذا بعض ممّا تشير إليه مراجع حقوقيّة معنيّة. لكنّ "لمّ الشمل" قد يعبّر عن شيء مختلف، مفهومه قد يوصَّف بأبسط من الاصطلاح المذكور أعلاه.

تحفظ هوليوود في أرشيفها عدداً لا بأس به من الإنتاجات السينمائيّة التي تحكي عن "لمّ الشمل" بمفهومه الأبسط، إذا أمكننا توصيفه كذلك. ونشاهد أفلاماً تصوّر لمّ شمل العائلة الكبرى الممتدّة في منزل كبيرها، في عيد أو كتقليد سنويّ أو غير ذلك. ونشاهد ما يترافق مع لمّ الشمل ذاك من مواقف تختلف طبيعتها ما بين فرح باللقاء، وعتاب على ما كان في زمن قريب أو بعيد، وتسوية خلافات ونشوب أخرى، وغيرها ممّا يترتّب على مثل هذه اللقاءات. غالباً ما يأتي ذلك في قوالب كوميديّة، وغالباً ما تكون تلك المناسبات في بلدان غربيّة حيث العائلات تتفرّق فروعها، وحيث المجتمعات ليست "متعاضدة" وتختلف عن مجتمعاتنا العربيّة وخصوصيّتها. هكذا نظنّ أو هكذا ندّعي.

في مجتمعاتنا، اعتدنا على لحمة بين أفراد العائلة الصغرى، وعلى تواصل دائم بين فروع العائلة الكبرى، تلك التي تُعدّ "قبيلتنا". لعلّ هذا ما كان، وإن ما زال قائماً في بعض البيئات. اليوم، لم تعد الأحوال على ما كانت قبل عقود أو حتى سنوات، لا سيّما مع الهجرة المتزايدة. قد تكون هجرة داخليّة من الريف إلى المدينة، ليس إلا. في مجتمعاتنا، كنّا قد اعتدنا ذلك النوع من اللقاءات - لمّ الشمل - في مناسبات مختلفة، لا سيّما الأعياد وحفلات الزفاف. اعتدناه من دون أن يأتي تحت تلك المظلّة، التي قد نصنّفها مفهوماً غربياً.

حفلات الزفاف. لعلّها المناسبات شبه الوحيدة التي تسمح لنا اليوم بلقاء أنسباء وأقارب انقطع التواصل بيننا وبينهم قبل زمن، على خلفيّة عوامل مشكّلة. نلتقي بهم، ونستعيد بعضاً ممّا كان. نستعيد بعضاً من الطفولة، من أماكن اللعب الأوّل، من مواقف محرجة وأخرى ساذجة أو طائشة أو رزينة. هي تفاصيل تجعلنا نضحك، في حين نسترجع بعضاً من ذاتنا التي ضاعت مع بُعد هؤلاء. هي تفاصيل تجعلنا نغصّ، في حين نسترجع بعضاً من ذاتنا التي ضاعت مع بُعد هؤلاء. ذاتنا تلك التي كانت قد تشكّلت في زمن ماضٍ من بعضٍ من ذات آخر، من بعضٍ من ذوات آخرين.

رابطة الدم، يُقال إنّها تبقى الأقوى والأمتن بين كلّ الروابط.. وتبقى ذاتنا التي تشكّلت من بعضٍ من ذات آخر، من بعضٍ من ذوات آخرين.


المساهمون