فؤاد شحادة... المحامي الفلسطيني الذي دخل "غينيس"

23 سبتمبر 2016
هو ابن الصحافي والناشط السياسي بولص شحادة(رسم: أنس عوض)
+ الخط -
المحامي الفلسطيني فؤاد بولص شحادة بلغ 91 عاماً. ما زال يعمل ويتابع جميع قضايا مكتبه، حتى إنه دخل موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية

رغم تقدّمه في السن، وتجاعيده الظاهرة على وجهه، وشعره الأبيض، وفقدانه نظره، ومعاناته من مشاكل في السمع، إلا أن المحامي الفلسطيني فؤاد بولص شحادة (91 عاماً) ما زال يعمل في مهنة المحاماة، ويذهب يومياً إلى مكتبه في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية. ذاكرته ما زالت تسعفه دوماً ليسجّل اسمه كأحد أهم المحامين في العالم، وقد انضمّ إلى كتاب "غينيس" للأرقام القياسيّة، كونه المحامي الذي مارس هذه المهنة لأطول فترة حتى اليوم.

قبل نحو شهرين، أبلغت مؤسسة "غينيس" شحادة اختياره لدخول الموسوعة، كأكبر محام ما زال يمارس عمله في العالم، وذلك بعد شهر على تقديم زميلته طلباً بذلك. وبعد تحقّق "غينيس" من صحّة المعلومات، تبيّن أنه أكبر محام في العالم ما زال يمارس عمله.

يقول لـ "العربي الجديد" إن "الله أعطاني العمر لأمارس مهنتي كل هذه المدة. أرجو أن أتمكن من مواصلة ممارسة مهنتي لأطول مدة ممكنة". ورغم فقدانه النظر في إحدى عينيه بسبب حادث سير قبل 38 عاماً، ثم فقدانه النظر بالأخرى بعد ست سنوات، إلا أنّه أصر على الاستمرار. "تعرّضتُ لحادث سير فقدت فيه البصر، ونجوت من القتل أنا ووالدتي على أيدي المستوطنين خلال عام النكبة، وقد أصيب عدد من أفراد العائلة برصاص عصابات المستوطنين قرب القدس".

ولد في مدينة القدس وترعرع فيها، علماً أنه يتحدّر من مدينة رام الله. هو ابن الصحافي والناشط السياسي الفلسطيني بولص شحادة، الذي يملك صحيفة "مرآة الشرق" الأسبوعية السياسية. كانت تصدر باللغتين العربية والإنجليزية في القدس أيام الانتداب البريطاني، وتأسّست في العام 1919. إلا أنّها توقّفت عن الصدور بسبب منعها من قبل حكومة الانتداب في العام 1939، بحجّة تغطيتها لأحداث الثورة ما بين عامي 1936 و1939. أما والدته ماري صروف، فكانت ناشطة نسوية واجتماعية في تلك الفترة، وساعدت زوجها في إصدار الصحيفة، وتولت مسؤولية البرامج الأدبية في إذاعة القدس.

تزوج شحادة من لبيبة شامية في العام 1959، وقد توفيت قبل عشر سنوات. أنجبا أربعة أبناء، من بينهم اثنان يعملان معه، ولديه ثمانية أحفاد.

كان عمّه سليم شحادة، الذي كان قاضياً، وعمل في المحكمة المركزية في يافا، ملهماً له. قرّر دراسة المحاماة. وفي العام 1943، التحق في معهد الحقوق في القدس التابع لجامعة لندن، والذي أنشئ أيام الانتداب البريطاني وأغلق في العام 1948. أنهى فؤاد دراسته وتقدم لامتحاناته رغم الظروف الصعبة والاحتلال الإسرائيلي.

بعد عامين على إنهائه دراسة الحقوق، افتتح مع شقيقه الراحل عزيز، مكتباً للمحاماة في رام الله. وحتى اليوم، يهتم بمتابعة القضايا المالية لكبريات الشركات والمصارف والمؤسسات الرسمية الفلسطينية.

في مكتبه الشهير وسط مدينة رام الله، اعتاد شحادة المجيء إلى مكتبه صباح كل يوم، بمساعدة شخصين. يعمل معه اثنان من أبنائه، هما المحاميان كريم ونديم، بالإضافة إلى رجا شحادة ابن شقيقه عزيز.

ويضم المكتب مجموعة من المحامين المتخصّصين، وعددهم 12، وعدداً قليلاً من المتدرّبين. رغم تقدمه في السن، ما زال الرجل التسعيني يشرف ويطلع على القضايا التي يتولاها مكتبه بنفسه. يجلس في مكتبه الخاص، ويعمل الجميع بمحبة، وهناك حرص على تكريس مبدأ التعاون.

يمثّل مكتب المحاماة هذا مكاتب محاماة عالمية، ويتولى قضايا عدد من المصارف وهيئة سوق المال الفلسطينية وسلطة النقد الفلسطينية. نجح شحادة لأنه عشق مهنته، وسعى إلى معرفة كل خباياها. وكان متابعاً للقوانين التي تغيرت خمس مرات بشكل كامل، من العهد التركي والانتداب البريطاني ثم الحكم الأردني والاحتلال الإسرائيلي والقضاء الفلسطيني. ورغم مواكبته وخبرته واطلاعه المستمر على التغيرات القانونية، إلا أنّه لم يفكّر في كتابة سيرة حياته العملية. في الوقت نفسه، يخشى أن يفوته أي شيء، ودائماً ما يقرأ له مساعدوه كل ما هو جديد، ويساعدونه في كتابة ما يريد.

على مدى سنوات عمله الطويلة، رفض تولّي أية مناصب، وفضّل التركيز على مهنته فقط، وأصرّ على متابعة القضايا التي تخصّص فيها مكتبه. تجدر الإشارة إلى أنه كان قد انتخب في العام 1964 نائباً لنقيب المحامين الأردنيّين لمدة خمس سنوات، حين كانت الضفة الغربية خاضعة للحكم الأردني.

وبعد مرور سنوات طويلة على مزاولته مهنة المحاماة، بات يتمتّع ببصيرة، ولا يهمّ إذا ما كان عاجزاً عن الرؤية. ما زال يتمتّع بصحة جيّدة إجمالاً، ويجتهد في مزاولة مهنته والإشراف على مكتبه.