حقها في ترك العمل

12 اغسطس 2016
ليسوا عبيداً (حسين بيضون)
+ الخط -
المشهد الأول من المسرحية: دخلت سميرة، الموظفة، إلى غرفة الاجتماعات، وكان مديرو المؤسسة الثلاثة مجتمعين. تلقت خمسة طلبات أو أوامر، على الأقل.

نسيت آخر طلبين، وعادت لتستفسر. تلقت توبيخاً ونظرة احتقار من أحدهم. أغلقت باب غرفة الاجتماع وراءها، وهي تشعر بالحنق والإهانة والغضب والإذلال وغياب الأمان. ما عادت تحتمل الوضع. تفكر أحياناً في أن تواجه فريق المديرين وأن تضع حداً للتصرفات والكلام المهين، لكنّ أمنها الاقتصادي مهدد. هي في حاجة إلى الراتب الشهري. في أحد الأشهر، تقاضت مستحقاتها، ولم تظهر ببساطة في اليوم التالي ولا في اليوم الذي تلاه. تركت العمل. لم يتركوا لها خياراً، ولم تترك لهم إشعاراً.

المشهد الثاني: ذهب مدير منهم إلى الدوائر المختصة للتبليغ عن "فرار" سميرة من العمل. (قهقه المشاهدون على لا منطقية المشهد. منذ متى يبلغ ربّ العمل السلطات العامة عن ترك موظف عمله؟).

هذا السيناريو غير المنطقي هو الممارسة الفعلية والواقعية التي تتعرض لها عاملات المنازل الأجنبيات في لبنان. وهذا السيناريو اللا منطقي واللا أخلاقي واللا مهني هو الذي يجبر العاملات على ترك منازل "أرباب العمل – أصحاب المنزل". يحدث أن تُجرّم المنظومة النساء "الفارّات" بحثاً عن الحرية والكرامة. هو وضع مركّب من مفردات وصفات وممارسات واتجاهات/ مواقف نابعة من ثقافة تمييزية وعنصرية إقطاعية. في المفردات مثلاً، يشكل استخدام كلمة "فرار" للتعبير عن ترك العاملة الأجنبية مكان العمل أبرز مثال على ذلك. التبليغ (الذي يسبقه كوكتيل تصرفات تمييزية عنصرية مجحفة بحق العاملة) هو أيضاً ممارسة نابعة من نفس جبّ الثقافة المريضة. يأتي النظام القانوني ليتوّج هذا الوضع المركّب ويزيده تعقيداً (عقد عمل مجحف، نظام كفالة، ساعات عمل مضاعفة، عطلة أسبوعية منقوصة، سجن وترحيل، إلخ).

أمام هذا الواقع المركّب، والذي بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي وزاد في السنوات العشر الأخيرة، لا بد من استراتيجية تحرك واضحة وسريعة.

المشهد الثالث: مجموعة من النساء في غرفة منزل. الاجتماع سري والنقاش محتدم. تقول إحداهن إنّ "النقابة" هي الحلّ. تنظر إحداهن إليها مشككة في أنّ من واجبهن ألاّ ينتظرن المزيد من سنوات الذل. نشاط النقابة ما زال غير مرخّص وفوائده غير محسومة. يسهرن طوال الليل يفكرن في طريقة لوقف الظلم عليهن. يبتسمن. ويودعن بعضهن.

*ناشطة نسوية

المساهمون