أطفال مغاربة يعملون صيفاً لمتابعة تعليمهم

28 يوليو 2016
القانون المغربي يمنع تشغيل الأطفال (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يجوبون الشاطئ أحياناً، أو يقفون قرب شارات المرور على النواصي. يعمل بعضهم في محال النجارة أو الحدادة، فيما يضع آخرون سلعهم الصغيرة علي عربات، ويجرّونها طوال النهار في الشوارع بحثاً عن زبائن محتملين. هؤلاء أطفال قاصرون في المغرب. بالنسبة إليهم، لا مجال للّعب في فصل الصيف. هم مجبرون على العمل لتوفير مصاريف الدراسة في الخريف. اختار بعض هؤلاء الأطفال بيع المناديل الورقيّة، ومنهم من فضّل بيع المثلّجات وكل ما قد يحتاجه الناس لدى ارتيادهم الشواطئ، فيما يعمل آخرون منهم في الحرف اليدوية، أو في بيع الخضار والفاكهة.

تعدّ ظاهرة عمالة الأطفال في المغرب في فصل الصيف عادية، وغالباً ما تكون لأسباب اقتصادية. ما إن ينتهي العام الدراسي، حتّى يسعى أطفال ينتمون إلى أسر فقيرة أو محدودة الدخل إلى العمل في مجالات مختلفة، بهدف مساعدة أهلهم مادياً، وحرصاً منهم على إكمال دراستهم.

يجد هؤلاء الأطفال أنفسهم مجبرين على توفير مصاريف الدراسة ومستلزماتها قبل بداية العام الدراسي الذي يبدأ في شهر سبتمبر/أيلول المقبل. يسعون إلى مساعدة عائلاتهم وتخفيف الأعباء المالية عن كاهلها. من جهةٍ أخرى، قد يكون هناك أسباب أخرى لذلك، من بينها غياب الأب أو وفاته أو مرضه.

في هذا السياق، يقول زكريا (15 عاماً)، إنه يبيع المثلجات والقبعات الصيفية على شاطئ الرباط. يشرح لـ"العربي الجديد" أنه يضطر للعمل نتيجة أوضاع أسرته الفقيرة التي تقطن في أحد البيوت القصديرية في منطقة عكراش في ضواحي العاصمة. يوضح أنه لا يجني مالاً كثيراً، لكنّه يساعد والده الذي يعاني من الربو. كذلك، يساهم في توفير جزء من مصاريف الدراسة، خصوصاً الكتب، مشيراً إلى أنه لا ينوي شراء ملابس جديدة بمناسبة العام الدراسي الجديد، كونه يعجز عن توفير ثمنها.



لحمو الوجدي (16 عاماً) قصة مشابهة لقصة زكريا ولو اختلفت التفاصيل بين القصتين. يعملُ حمو مساعداً لنجّار محترف في محلّه في ضواحي الرباط. يقول لـ"العربي الجديد" إنه في كل صيف، يعمل في محلّ النجارة والنقش على الخشب، وقد استطاع اكتساب العديد من المهارات. يشير إلى أنه يتقاضى أجره في نهاية كل أسبوع، وقد بدأ العمل مباشرة في بداية شهر يونيو/حزيران الماضي. بعدما ظهرت نتائج الامتحانات الثانوية، وعرف أنه من التلاميذ الناجحين لم يضيّع وقتاً. يوضح أنه لن يتوقف عن العمل إلا في فصل الخريف، وذلك بهدف "جمع أكبر قدر ممكن من المال"، بحسب ما يؤكد. يتابع أنه يحاول من خلال عمله تحقيق أهداف عدة، أهمها مساعدة أسرته الفقيرة لتدبّر مصاريف دراسته، ومنها ألا يضطر إلى طلب المال من عائلته وأن يعتمد على نفسه، بالإضافة إلى اكتساب مهارات حرفية تجعله قادراً على فتح محل للنجارة في المستقبل، في حال لم يتمكن من متابعة دراسته في الأيام المقبلة. يأملُ أن يكون قادراً على إتمام تعليمه الجامعي، خصوصاً أن أحلامه كثيرة. لكن في الوقت نفسه، بات يحب ويتقن العمل الحرفي.

من جهته، يوضح الناشط في مجال حقوق الأطفال، عبد العزيز بوفتيس، لـ"العربي الجديد"، أن القانون المغربي يمنع تشغيل الأطفال الذين هم دون سن الـ18 عاماً، لافتاً إلى أن عمالة الأطفال تعدّ ظاهرة اجتماعية تطرح تساؤلات كثيرة حول مصير هؤلاء الأطفال. يتابع أن الأطفال الذين يخرجون للعمل في فصل الصيف "مجبرون وليسوا أبطالاً"، مشيراً إلى أن ما من طفل يحبّ أن يعمل في الوقت الذي يستمتع فيه أقرانه بإجازة الصيف. ويرى بوفتيس أن الطفل الذي يضطر للعمل في فصل الصيف بسبب الفقر والحاجة، عادة ما يكون معرضاً لمخاطر كثيرة. كذلك، يوضح بوفتيس أن حاجة الطفل الفقير إلى النقود من أجل مساعدة أسرته الفقيرة قد تدفعه أحياناً إلى القبول بالتحرّش الجنسي، أو استغلاله مادياً من قبل الذين يعمل معهم.

من جهتها، توضح الباحثة الاجتماعية ابتسام العوفير، لـ"العربي الجديد"، أن الطفل الفقير يضطر إلى العمل في فصل الصيف لتوفير المال ومساعدة عائلته التي تجبره على العمل أحياناً "علماً أن هذا الوضع غير قانوني وغير لائق اجتماعياً أو نفسياً". وتشرح أن "مكان الطفل الحقيقي هو المدرسة، على أن يكون الصيف للّعب وتنمية القدرات الذاتية، وليس للعمل في مهن موسمية".

وتُشدد الباحثة على أن التخلص من ظاهرة عمالة الأطفال القاصرين في الصيف، بهدف المساعدة في تأمين الكتب والملابس في الخريف، يتطلّب من الدولة التفكير في عواقب عمل الأطفال، وإرساء سياسات عامة وتنموية، تتيح للأسر المحتاجة مواجهة الفقر، وبالتالي تحسين مستواها الاقتصادي والاجتماعي.

دلالات