حيل الطيور من أجل البقاء [1]

22 ابريل 2016
بالرغم من جمال الهدهد فهو مشهور بالنتانة (Getty)
+ الخط -
مثلما تتمتع بعض الطيور بالذكاء، غيرها يتمتع بالحيلة الغريزية من أجل الاستمرار وتجنب الانقراض. الكثير منا ربما شاهد طائر التيان المعروف لدى الصيادين بـ"الخوري" للذكر ذي القلنسوة السوداء، و"الشماس" للأنثى ذات القلنسوة القرميدية. لكن، ما لا يعرفه كثيرون أنّه عندما يقترب أحد من عش الأنثى عن قصد أو بالصدفة فإنها توقع نفسها أمامه وكأنها كسيرة الجناح، وتهرب منه خطوة خطوة مستخدمة ضربات جناح واحد، فتوهم عدوها أنّها سهلة المنال ويتشجع للإمساك بها. وكلما اقترب منها طامعاً بالنيل منها حتى تبتعد أكثر فأكثر. وعندما تتأكد أنّه أصبح بعيداً عن العش ونسي مكانه فإنها تطير بعيداً عنه وتقف في مكان تراقبه منه، حتى إذا عاد إلى العش عاودت الكرّة وإن ذهب في حال سبيله وأصبح بعيداً عادت إلى العش.

الحيلة نفسها موجودة لدى معظم الطيور المغردة كالدخلة والهازجة والمطوق والدخن وغيرها. وهنالك الكثير من الطيور، مثل الفري والحجل والفزان، التي تتوقف عن الحركة وتتجمد في مكانها عندما ترى عدواً لها قد يفترسها مثل العقاب الذي يعتمد على الحركة لكي يكتشف طرائده. لكنّ العقاب له أيضاً حيلته لكي يكتشفها متعاوناً مع شريك له على الأرض هو حيوان الوشق أو الهر البري. والحيلة هنا ذات منفعة متبادلة بينهما، فمثلاً حين تتجمد الحجال لمجرد رؤية العقاب في السماء يسهل على الوشق الوثوب على أحدها ليمسك به ويتناوله، الأمر الذي يجبر الحجال الباقية على الطيران مما يسهل على العقاب الانقضاض بدوره على أحدها ليمسك به في الهواء ويتناوله.

تمارس الطيور التي تنتمي إلى فصيلة الحمام حيلة التظاهر بالموت، فترقد على ظهرها عندما ترى صقراً أو عقاباً في السماء، لأنّها تعرف أنّ هذه الطيور لا تأكل الجيف بل الفرائس الحية، وأنّ تظاهرها بالموت سيمنع الجوارح من الانقضاض عليها.

أما طائر الحبارى الذي هو بحجم الدجاجة تقريباً، وتضاهي سرعته في الطيران سرعة الصقر الذي يعتبر الحبارى فريسة مفضلة لديه، فإنّه أثناء ملاحقة الصقر له يفرز من الخلف مادة تلصق ريش جناحيه ببعضه البعض فلا يعود قادراً على اللحاق به. لكنّ بعض أنواع الصقور لا تهاجم الحبارى من الخلف كي لا تقذف بالمادة اللزجة بل تأتيها من الأعلى وتمسكها من فوق وتنزلها إلى الأرض لكي تفترسها.

وإذا كانت الحبارى تفرز مادة لزجة، فإنّ الهدهد يفرز مادة ذات رائحة نتنة كرائحة اللحم المتحلل يوزعها بمنقاره على ريش جسمه، فتبتعد عنه الحيوانات والطيور المفترسة. والمدهش أنّ هذه المادة المنفرة للأعداء تطرد أيضاً الحشرات والطفيليات، لا بل تعمل كمضاد للبكتيريا يحمي الهدهد من الأمراض. المهم أنّ الهدهد يستعمل هذه الإفرازات لدى حضن البيض وتربية الصغار ويتوقف عن استعمالها حالما يترك آخر فرخ العش. وعندما يصادف أن يترك العش كلٌّ من الذكر والأنثى للبحث عن الطعام، تدافع الصغار عن أنفسها بقذفها لبرازها شبه السائل بشدة في وجه الدخلاء والمتطفلين والأعداء على السواء.

طائر النورس الدجاجي "فلمار" معروف برائحته النتنة، وكذلك رائحة بيضه الكريهة والتي لم تتبدد بالرغم من مرور 100 عام عليها في أحد متاحف التاريخ الطبيعي في إنجلترا. بهذه الرائحة يبعد أعداءه بمن فيهم الإنسان. لكنّ الرائحة قد لا تكون كافية لإبعاد جميع الأعداء، خصوصاً التي تملك حاسة شم ضعيفة. لذا فإنّ فراخه العاجزة عن الهرب من الأعداء كالغربان والنوارس الأخرى تتقيأ مادة برتقالية لامعة مزعجة ذات رائحة كريهة. كما تبصق مادة زيتية تفقد الأعداء ريشها، وتؤدي بصاحب الريش المستهدف إلى الغرق، فالريش هو الذي يحمي النوارس من البلل. صحيح أنّ كبار هذا النوع تبصق هذه المادة الزيتية، لكنّ الصغار تستخدمها بتكرار غير عادي، حتى أنّها لا توفر أهلها، مع أنّ الأهل لا تتأثر كون ريش أفراد هذا النوع له مناعة ضد البصاق، فلا يلتصق ولا يفقد ميزة "المضاد للبلل".

*اختصاصي في علم الطيور البرّيّة


 
دلالات
المساهمون