ألغام موريتانيا تحاصر شمالها

14 ابريل 2016
إمكانيات الجيش لا تخدم خطة نزع الألغام (العربي الجديد)
+ الخط -
تسابق السلطات الموريتانية الزمن للتخلص من الألغام التي ورثتها عن حرب الصحراء التي نشبت قبل عقود بين موريتانيا وجبهة "بوليساريو"، التي حاربت المغرب وموريتانيا من أجل إقامة دولة في الصحراء الغربية.

وتأمل موريتانيا التخلص من هذا الإرث الثقيل الذي يهدد حياة السكان ويوقف التوسع والتنمية في مناطق الشمال الغنية بثروات مناجمها. بحسب الخطة التي وضعها البرنامج الوطني لنزع الألغام الإنساني من أجل التنمية، فإن البلاد سوف تكون خالية من الألغام المضادة للأفراد خلال عام 2016. لكن الواقع يشير إلى صعوبة بلوغ هذه النتيجة في العام الجاري. بالرغم من أن موريتانيا بدأت عمليات إزالة الألغام في عام 1979، إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة بعد. في عام 2007، أنشأت البرنامج الوطني لنزع الألغام الإنساني من أجل التنمية التابع لوزارة الداخلية، بهدف القضاء على هذا الخطر الذي يهدّد السكان، والذي يعدّ عائقاً تنموياً في المناطق المتضررة.

تجدر الإشارة إلى أن الألغام ما زالت منتشرة على مساحة 310 آلاف كيلومتر مربع من إجمالي مساحة موريتانيا، التي تزيد عن مليون كيلومتر مربع. ويقدّر الخبراء عدد تلك الألغام بمليون لغم تنتشر في مناطق الشمال، خصوصاً على الحدود بين موريتانيا وكل من المغرب والجزائر ومالي.

يقول الخبير في مجال الألغام، يحيى ولد محمد لمين، لـ"العربي الجديد" إن "بعض المناطق في الشمال ما زالت تشكّل خطراً كبيراً على المتجوّلين، ومن بينها مناطق يحظر دخولها بسبب كثافة الألغام التي زرعت خلال نزاع الصحراء الغربية".

ويشير إلى أن "الألغام تهدّد حياة نحو 12 في المائة من الموريتانيين الذين يعيشون على مساحة 310 آلاف كيلومتر مربع". يضيف أن "الألغام تحتل المناطق الشمالية وتمنع إعمارها وتنميتها واستخراج خيراتها الطبيعية، وكذلك التعدين، كذلك تتسبب في سقوط عدد من الضحايا سنوياً، أكثرهم رعاة إبل ومهرّبون".

وعن صعوبة العمل في ميدان نزع الألغام في موريتانيا، يقول ولد محمد لمين إن عدم وجود خرائط لحقول الألغام والانزلاق الدائم للرمال، يجعل عمليات نزع الألغام صعبة للغاية، خصوصاً مع تواضع الإمكانيات في المناطق وامتدادها وتضاريسها الصعبة. ويرى أن "أفضل طريقة لنزعها هي الطريقة اليدوية، بالرغم من أنها تستلزم وقتاً أطول وتشكّل خطورة على الأفراد".

وتتسبب الألغام في مآسٍ إنسانية عديدة، إذ يفقد بسببها كثيرون حياتهم، فيما يعيش آخرون مع عجز دائم بعدما فقدوا أحد أطرافهم في رحلة سياحية بالصحراء مثلاً أو هرباً من مراقبة الجمارك. ويعدّ رعاة الإبل والبدو الرحّل أكثر ضحايا الألغام، مع الإشارة إلى أن بعضهم يلقى حتفه من دون أن يدرج على قائمة الضحايا.


تشير البيانات الرسمية إلى أنه ومنذ عام 1979، تسببت الألغام في مقتل 365 شخصاً وجرح 271 آخرين وتدمير عشرات الآليات ونفوق آلاف الإبل والدواب. لكن ناشطين في المجتمع المدني يشككون في هذه الأرقام، مؤكدين أن أعداد الضحايا أكبر بكثير من المعلن.

محفوظ ولد سداتي هو أحد الضحايا وقد أصيب في رجله، يقول إن "المتجول في المناطق الشمالية يخاطر بحياته"، لافتاً إلى أن "أكثر الضحايا هم الذين يخرجون عن الطريق الرئيسي ويتوغلون في الصحراء". يروي لـ"العربي الجديد": "كنت عائداً من سفر برفقة صديقي. وحين أصبحنا على مشارف بلدة بولنوار أقصى شمال البلاد، تركنا الطريق الرئيسي لأخذ قسط من الراحة في الصحراء. على بعد نحو 300 متر من الطريق، انفجر لغم وفقدت وعيي، ولم أستفق إلا في المستشفى حيث فقدت ساقي، فيما أتت إصابات صديقي بالغة في أنحاء مختلفة من جسمه".

في السياق، يأتي برنامج نزع الألغام التابع لوزارة الداخلية بهدف تطهير المناطق الملغومة وتوعية السكان حول خطورة الألغام ومساعدة ضحاياها. ويركّز البرنامج حالياً على مناطق تيرس زمور وأدرار وداخلت انواذيبو، وبالفعل تمكّن أخيراً من إزالة الألغام من جميع المناطق المعروفة والمشبوهة لدى السكان في ولايتي تيرس زمور وأدرار. وفي بلدية التميميشات التي كانت معروفة بكثافة ألغامها، نزعت من مساحة تزيد عن 102 كيلومتر مربع، ثمانية آلاف و688 لغماً مضاداً للأفراد، و588 لغماً مضاداً للدبابات، وستة آلاف و712 قطعة ذخيرة غير منفجرة.

وكانت موريتانيا قد احتلت، في العام 2014، المرتبة الثانية في التصنيف العالمي في الجودة والفعالية والشفافية في مجال إزالة الألغام، وذلك بحسب تقرير صادر عن الهيئة العالمية للمنظمات الدولية وغير الحكومية لمكافحة الألغام. إلى ذلك، يهتم برنامج نزع الألغام بمؤازرة الضحايا ومساعدتهم على الاندماج في الحياة النشطة، إذ يموّل مشاريع صغيرة لصالح ضحايا الألغام. كذلك يقيم بنية تحتية ذات طابع اقتصادي واجتماعي كالمدارس والمستوصفات والآبار.