عاد الضوء ليسلّط على انتحار الجزائريين خلال الأشهر الأخيرة، مع لجوء عديدين من المُقدمين على الانتحار إلى إحراق أنفسهم مستخدمين البنزين، متخلين عن أساليب الانتحار الأخرى من قبيل العقاقير والمواد السامة وغيرها.
البطالة والمشاكل الاجتماعية من أبرز الأسباب التي تدفع الناس إلى وضع حد لحياتهم. وفي حين يتحدّث المسؤولون عن انتعاش اقتصادي وتراجع في نسب البطالة وقضاء الحكومة على الفقر في الجزائر وتحسن المستوى المعيشي للمواطن، يدق خبراء وباحثون اجتماعيون ناقوس الخطر ويدعون إلى ضرورة التحرك بسرعة لمواجهة اختلالات بنية المجتمع الجزائري الذي يعيش مرحلة تفكك خطيرة، وانعكاساتها السلبية التي تدفع الناس إلى اليأس القاتل.
ولعلّ ما يعقّد دراسة هذه الظاهرة هو عدم وجود هيئة وطنية مخوّلة حصراً بجرد واحتساب كل حالات الانتحار على المستوى الوطني، من خلال منحها سلطة التحرك على جميع المستويات للتوصل إلى حقائق حول ما يُعدّ خطراً حقيقياً.
تفيد دراسة غير رسمية أشرف عليها خبراء من تخصصات مختلفة، علم نفس واجتماع وعلم الأعصاب من مركز البحث والدراسات المعمقة حول الإنسان، لصالح منظمة غير حكومية تعنى بالصحة، بأنّ "نحو 10 آلاف محاولة انتحار فاشلة تُسجّل سنوياً في الجزائر، أي نحو 27 محاولة انتحار في اليوم وهو ما يعني أكثر من محاولة واحدة في كل ساعة وهو رقم مرعب".
ثمّة معطيات تتحدّث عن أنّ حوادث انتحار كثيرة تقع خلال فترة صدور نتائج الامتحانات في المدارس والجامعات، إذ يضع تلاميذ وطلاب حداً لحياتهم بسبب إخفاقهم في الدراسة. إلى ذلك، تطالعنا أخبار يومية في الصحف الجزائرية عن محاولات انتحار أكثرها لعاطلين من العمل. وتبقى البطالة والمشاكل الاجتماعية أحد أبرز الأسباب التي تدفع الناس إلى وضع حد لحياتهم. تجدر الإشارة إلى أنّ الانتحار شنقاً هو الأسلوب الأكثر شيوعاً مع نسبة تصل إلى نحو 70 في المائة، علماً أن الذين يلجأون إلى هذه الطريقة هم من الذكور، الشباب والكهول على حد سواء، فيما تعمد باقي النسبة إلى طرق أخرى لوضع حد لحياتها عن طريق استهلاك السموم أو استخدام أسلحة نارية وبيضاء أو رمي أنفسهم من أعلى البنايات والجسور.
اقرأ أيضاً: انتحار في غزّة
في السياق، توضح المتخصصة الاجتماعية سميرة بوركبة في حديث إلى "العربي الجديد" أن "الواقع يؤكد اتخاذ ظاهرة الانتحار منحنيات خطيرة وتشعبات جد معقدة، مع التأكيد أنه مشكلة تطاول شرائح المجتمع الجزائري كله من إناث وذكور". تضيف أن "المشاكل الاجتماعية والعائلية تأتي في طليعة الأسباب الداعية لوضع حدّ للحياة، لتحتل الاختلالات العصبية والاضطرابات النفسية الدرجة الثانية"، مشددة على أن الفقر والحرمان وضيق الأفق واليأس كلها أسباب قد تدفع الإنسان إلى إنهاء حياته.
وتشرح بوركبة تعدد الأسباب الرئيسية التي تدفع الناس في الجزائر إلى الإقدام على هذه الخطوة ووضع حدّ لحياتهم. تقول: "تماماً كما في أي ظاهرة، تتنوّع الأسباب وتختلف. عند الذكور، يعود ذلك إلى البطالة والإدمان في حين تتّسم شخصية هؤلاء المقدمين على الانتحار بعدم النضج وعدم القدرة على تحمل الإحباطات. كذلك، قد يتخلصون من حياتهم في حالات الانقطاع المفاجئ عن المخدرات". تتابع أن "ثمّة أسبابا أخرى عائلية ومهنية تدخل أكثرها تحت عنوان عدم القدرة على تحمل الضغوط النفسية وعدم القدرة على التكيّف والتأقلم مع التغيّرات والوضعيات الجديدة. ببساطة، هؤلاء ليست لديهم مناعة نفسية للتحمل ولم يكتسبوا مهارات اجتماعية للمواجهة". وتشير إلى "الانسحاب الاجتماعي والعزلة الاجتماعية على خلفية حالات الاكتئاب الناتجة عن مشاكل شخصية أو عاطفية".
أما بالنسبة إلى النساء، تقول بوركبة إن "ذلك يكون أقل حدة ويتمحور حول مشاكل عاطفية وعائلية". وتعيد ذلك إلى "طبيعة شخصية المرأة التي عادة ما تتردد في الإقدام على الانتحار، خوفاً أو ضعفاً. لكنها تفعل في حالات اليأس القصوى والاكتئاب أو الفشل العاطفي".
من جهة أخرى، تلفت بوركبة إلى أنّ "لا إحصاءات حقيقية لحدّ اليوم، حول إقدام الناس من الذكور والإناث على حدّ سواء، على وضع حدّ لحياتهم. من هنا لا بدّ من التشديد على ضرورة أخذ ما يحصل بعين الاعتبار وتضافر جهود متخصصين من علماء نفس واجتماع وغيرهم، بهدف دراسة أسبابها وتحليلها بدقّة". وتؤكد على "أهميّة إرساء ثقافة نفسية لدى المجتمع الجزائري" لتفادي أزمات مشابهة.
اقرأ أيضاً: تلاميذ الجزائر تحت رحمة المخدرات