"شاو ربيع".. عرس الأرض والإنسان في الجزائر

20 مارس 2016
الجميع يخرج لاستقبال الربيع (العربي الجديد)
+ الخط -
تتميز منطقة برج بوعريريج في الجزائر بتظاهرة يخرج فيها الناس جماعياً إلى الحقول للاحتفال بـ"شاو ربيع". يحظى هذا الاحتفال بحماسة الشباب وكذلك كبار السن. يحيي الجميع طقوس العيد المليئة بالفرح

تُعدّ منطقة برج بوعريريج بوابة الشرق الجزائري. تتمتع بموقع جغرافي يتقاسمه العرب والأمازيغ، وتتميز بتظاهرة احتفالية سنوية تكاد تكون حكراً عليها. فأهل المنطقة يحتفلون بـ"شاو ربيع"، أي مطلع الربيع، الموافق في 21 مارس/ آذار، في ما يشبه احتفال الإيرانيين بالنوروز.

تخرج عائلات المنطقة باكراً إلى الحقول والغابات والحدائق والمساحات الخضراء، مرددة أغنية توارثتها عن الأجيال السابقة. يقول مطلع الأغنية: "شاو ربيع ربعاني/ كل عام تلقاني/ في الفيلاج الفوقاني"، ومعناه: "أيها الربيع المزهر، ستجدني كل عام في الدرب الأعلى"، في ما يشكل وعداً للربيع من الإنسان البرايجي. هكذا يسمى ابن المنطقة.

من هنا، يقول المستشار التربوي فارس لوماسين لـ"العربي الجديد" إنه يمكن فهم خلفية التظاهرة من خلال شغف أهل المنطقة بالطبيعة في عرسها السنوي. هم ولدوا وترعرعوا في سهولها وحقولها ووديانها وجبالها، وكسبوا لقمة عيشهم من نباتها وحيوانها. يضيف: "لا تختلف نظرة البرايجي إلى شجرته وفرسه وحقله، لجهة القداسة ووجوب الحفاظ عليها، عن نظرته إلى زوجته وأخته وأمه". بذلك، يرى لوماسين أنّ تظاهرة "شاو ربيع" تتعدى كونها مناسبة للترفيه إلى كونها مناسبة لتجديد العهد مع الأرض والاحتفاء بخيراتها وجمالياتها المختلفة. يختم: "ليس استعراض الفواكه والحلويات والأطباق المختلفة بالمناسبة إلا وجهاً من أوجه الشكر والامتنان لأرض كريمة ومعطاء".

من الأكلات التي يندر خلوّ بيت منها قبل أيام من الاحتفال وأخرى بعده، حلوى المبرجة أو الأبراج. تصنع من السميد والزيت أو السمن والتمر المعجون، مع قابليتها لإضافات أخرى مثل ماء الورد. تزدهر تجارة موادها الأولية في كلّ المحلات، بل ثمّة محلات غير معتمدة تنشأ بالمناسبة لكثرة إقبال النساء عليها، خصوصاً كبيرات السن اللواتي يتعمدن اصطحاب حفيداتهن معهن. في هذا الإطار تقول الحاجة أم السعد من بلدة العناصر: "ربّيت بناتي على العناية بإعداد المبرجة في شاو ربيع. واليوم أرافق حفيداتي إلى السوق ليتشرّبن العادة".

تكشف الحاجة أم السعد لـ"العربي الجديد" عن أنّ نساء العائلة يجتمعن في يوم يسبق الاحتفال لإعداد المبرجة، بكميات كبيرة تكفي أفراد الأسرة والضيوف مع كمية للإهداء. تضيف: "إذا كان أحد شباب الأسرة في الخدمة العسكرية، فإنّ ترك كمية له من الواجبات المقدسة. كذلك الحال إن كانت شابة مخطوبة لأحد شباب الأسرة. ويعدّ ذلك من الإشارات الدالة على الخير".

من الطرائف المتداولة أنّ والياً عيّن حديثاً في برج بوعريريج، آتياً إليها من منطقة بعيدة، شاهد الآلاف من السكان خارجين إلى الحقول، وكان زمن إرهاب، فظنّ أنّ هناك هجوماً للجماعات المسلحة على المدينة دفع بالسكان إلى الهروب، فما كان منه إلا أن اتصل بالقائد العسكري، ومنه فهم قصة الاحتفال.

أكثر ما يثير الانتباه في هذه المواكب البشرية، وهي تقصد المساحات الربيعية المزهرة، منظر الأطفال وهم يلبسون الجديد ويحملون قفافاً صغيرة، تصنع إما من البلاستيك أو سعف شجرة الدوم الشبيهة بالنخيل، لتوضع فيها حلوى المبرجة والفواكه. يضاف إلى ذلك غناء وزغاريد وألعاب فروسية في بعض الجهات. كلّ هذا يمنح التظاهرة بعداً فنياً واجتماعياً، يصفه المسرحي ربيع قشي، أحد مؤسسي مسرح الشارع في الجزائر، بأنه ملهم وثري بالطقوس.

يقول قشي لـ"العربي الجديد" إنّ تظاهرة "شاو ربيع" تدخل في صميم غايات المسرح: "فيها تتداخل الأصوات والألوان والأعمار والشرائح، وتشترك في هاجس واحد هو الفرح بالربيع باعتباره فصل العطاء. أليس هذا بديعاً وينطلق من فلسفة تحتاجها المجتمعات العربية الغارقة في اليأس؟". يضيف: "حين كان الإرهاب يحصد النفوس في تسعينيات القرن الماضي، كنا نخرج في شاو ربيع لنتحداه بإعلان الولاء للحياة والفرح".

ما يثير الانتباه أنّ التظاهرة لم تشهد ما شهدته العادات والتقاليد والطقوس والتظاهرات الموروثة، من تراجع وانحسار، بفعل خفوت حماسة الأجيال الجديدة لها، بل ما زالت تحظى بحماسة الشباب عاماً بعد آخر. عن هذا يقول أستاذ علم الاجتماع وابن المنطقة سليمان حواسين لـ"العربي الجديد": "هو طقس قريب إلى ميل الناس إلى الفرح والتعارف وتجاوز حياة الجدران في المدينة". يتابع: "ما تتضمنه التظاهرة من طقوس وتوفره من متعة، وسط الطبيعة الخلابة، يمنح الشباب فرصة لممارسة التصوير، ومشاركة اللحظة مع أصدقائهم في مواقع التواصل الاجتماعي. لذلك، باتوا ينتظرون المناسبة بشغف لا يجدونه في مناسبات تراثية أخرى".

اقرأ أيضاً: رأس سنة الأمازيغ
دلالات