الفالق اللبناني "الفريد"

16 نوفمبر 2016
الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري (الأناضول)
+ الخط -

في الأصل، يعيش لبنان على أكثر من فالق زلزالي. فحتى بعد انتخاب رئيس للجمهورية فإنّ صورة الوضع لن تتغير بتاتاً. من الاستحالة محو صورة أكثر من عامين ونصف العام من الفراغ شبه الكامل من سجلات الجمهورية اللبنانية مع كلّ ما رافقها من مَوات في الحياة السياسية، التشريعية والتنفيذية على حدّ سواء.

الأكثر مرارة هو استمرار لبنان ساحة تجاذب إقليمي باردة حتى الآن، وقد تتحول إلى ساخنة في أيّ لحظة مؤاتية. احتمال لا يجد له رادعاً إقليمياً أو دولياً . فالدول الإقليمية باتت منذ سنوات على المتاريس وفي ميادين المعارك المندلعة في سورية والعراق واليمن وليبيا. والقوى الدولية الكبرى بات لبنان في أسفل قائمة اهتماماتها وحركتها الدبلوماسية. يضاف إلى ذلك فقدان الحمايات الداخلية التي كان يمكن أن تؤمنها قوى اجتماعية تحضر في الميدان من أجل الضغط على الأطراف المتنازعة لاجتراح تسوية تعمّر ولو لعدة سنوات.

المؤكد أنّ اللبنانيين سيعودون بعد إنجاز الاستحقاق والتهاني التقليدية في قصر بعبدا إلى سيرتهم الأولى في الخلاف والتنازع على الصغيرة والكبيرة. الصغيرة من نوع تعيينات في هذا الموقع أو ذاك، والكبيرة من وزن الخيارات السياسية وسط حمّى المعارك المندلعة في الإقليم، والتي تلامس حدودهم الشرقية والشمالية، والتي يمكن أن تنتقل إلى الداخل لحظة أيّ خلاف بين "صبيين على لعبة كلّة" كما يقال عن حوادث العام 1840، أو صيد طائر حجل كما قيل عن مذابح العام 1860.

الفوضى الكاملة التي يغرق فيها لبنان لا يحمل الرئيس ولا أي رئيس حلاًّ سحرياً لها. وعليه ستظلّ معضلة البلاد قائمة بما هي معضلة كيان ونظام سياسي باتت المحاصصة الطائفية راسخة الجذور في هياكله كلها. هذا فضلاً عن حريق لا يبقي ولا يذر على صعيد الجوار. بهذا المعنى، يمكن القول إنّ الحرب الأهلية في لبنان لم تتوقف بالرغم من هدوء الأوضاع منذ العام 1990. فالنتائج ما زالت ماثلة للعيان في موقع ودور الدولة وأهمية الدستور والقوانين الناظمة لحياة المجتمع اللبناني. فقد تكرست في غضون السنوات الماضية هشاشة بنية الدولة.
وعليه، وقد شهدت أسوأ مرحلة على كلّ المستويات، بدءاً من الحياة السياسية المطيّفة بالكامل. بات رئيس الجمهورية موقعاً مارونياً، وموقع رئيس المجلس شيعياً صافياً، وموقع رئيس الحكومة سنياً. وينسحب الوضع على الوزراء والنواب والأحزاب السياسية. وهو ما يعني أنّ الحرب التي مرت على البلاد استقرت في الهياكل السياسية جميعاً.

وضع على هذا النحو يترك بصماته على المجتمع وما يتبقى من عناصر حياة مشتركة، بدءاً من معالجة نفايات العاصمة، مروراً بتفاح الجبل، وصولاً إلى كرز عرسال.

*أستاذ جامعي

المساهمون