السودان: "شجرة التبلدي" المنقذ الوحيد للأهالي من أزمة المياه

31 أكتوبر 2016
يعتمدون على الشجرة في تخزين المياه (باولا برونستاين/Getty)
+ الخط -
"مالينا غير الله ثم شجرة التبلدي"، بهذه العبارة لخّص حامد (70 عاماً) معاناته وأهل منطقته والمناطق المجاورة بولاية شمال كردفان غرب السودان في الحصول على المياه، في ظل أزمة تاريخية توارثتها الأجيال.

وتمثل شجرة التبلدي الخلاص الوحيد للأهالي، إذ يعتمدون عليها في تخزين مياه الأمطار لإمدادهم بها عاماً كاملاً.

وتواجه ولاية شمال كردفان عموماً أزمة حادة في توفير المياه، لا سيما مياه الشرب في عدة مناطق سودانية بينها العاصمة الخرطوم، وتزداد حدّتها بالمناطق الريفية مقارنة بالمدن، إذ تفتقر للحفائر وغيرها من وسائل توفير المياه ويقطع الرعاة آلاف الأميال للبحث عن المياه.

وابتكر الأهالي بمناطق في شمال كردفان منذ القدم، وسائل بدائية للاستفادة من مياه الأمطار في موسم الخريف، باعتبارها المنقذ الوحيد، ومثّلت شجرة التبلدي الركن الأساسي في المعادلة، إذ يترقب الأهالي بفارغ الصبر الخريف ويقومون قبله بتجهيز جذوع هذه الشجرة بعد تجويفها لتصبح صالحة لتخزين الماء الذي يجلب من بين الرمال، وتتجمع مياه الأمطار، وتعد الرمال مصفى طبيعياً لتنقية هذه المياه، وقد تصل سعة تخزين جذع الشجرة الواحدة إلى نحو مائة برميل كحد أقصى و25 كحد أدنى.

وتنتشر شجرة التبلدي بكميات كبيرة بولاية شمال كردفان غرب السودان، فوجودها قديم منذ تواجد الإنسان، ولا يعرف أهلها طريقة محددة لزراعتها، وتعرف عالمياً بشجرة "الباوباب"، وهي من فصيلة النباتات الخبازية، وموطنها الأصلي ضمن الشريط الجغرافي الواقع تحت الصحراء والممتد من شرق القارة الأفريقية إلى غربها، إضافة إلى انتشارها جنوب هذه المنطقة وحتى منطقة السافانا الرعوية جنوب أفريقيا.



وعلى الرغم من اعتماد الأهالي على هذه الشجرة في تخزين مياه الأمطار، إلا أن معاناتهم لم تتوقف، يقول حامد من سكان ولاية شمال كردفان، "إنّه عاصر مشكلة المياه منذ الاستعمار، إذ وجد آباءه وأجداده يحصلون على المياه بطريقة تخزين شجرة التبلدي، كما أن جميع سكان القرية يتقاسمون الأشجار الموجودة بالمنطقة لتخزين المياه".

يبدأ الإعداد للعملية قبل موسم الخريف بالاهتمام بالشجرة وتنظيفها، حسب حامد "لديّ أشجار تبلدي تخزن الواحدة منها نحو خمسين برميلاً وتكفيني وعائلتي لعام كامل، لكن إذا نقصت المياه لأي ظرف هناك حيضان صغيرة نحاول ملأها من السيارات التي تأتي من وقت لآخر لتبيع لنا الماء".

بدوره، يشرح محمد فضل المولى (54 عاماً) طريقة تخزين مياه الأمطار في التبلدية، ويشير لشقّ جذع الشجرة بآلة حادة تمكن من تجويفها بالسعة المطلوبة بحسب كل شجرة ومن ثم يتم ملؤها بالماء عبر الاستعانة بدلو كبير لنقله من بين الرمال إلى داخل الشجرة في عملية نفير يشترك فيها أفراد العائلة.

ويؤكد محمد أنه لم يسبق للأهالي أن قاموا بزراعة هذه الأشجار لعدم معرفتهم بالطريقة المثلى لذلك، ويتابع "كانت هناك محاولة من أحدهم ليزرعها عندما كان صبياً والآن تعدى السبعين والشجرة لم تزد عن المترين"، ويلفت إلى أن هناك بعض الأشجار بدأت تتساقط "قطعاً إذا خسرنا الأشجار لا بديل لنا".

من جهته، يقرّ حاكم ولاية شمال كردفان، أحمد هارن، بوجود مشكلة مياه حقيقية في ولايته، ولكنه يشير في تصريح سابق إلى خطوات عملية تمت لحلّها عبر زيادة الإنتاجية الكلية للمياه لتصل إلى العاصمة بمعدل أربعة أضعاف، فضلا عما تم من زيادة حجم شبكة المياه إلى 900 كيلومتر طولا ًمن 272 كيلومتراً، بالإضافة إلى تغيير جميع أنظمة "كهروميكانيكا" الخاصة بالطلبات ومعدات السحب بأنظمة طاقة وبمعدات جديدة ومتطورة.

وقبل ثلاثة أعوام، أطلقت الولاية حملة "نفير نهضة شمال كردفان" بهدف تحقيق ثلاثة مكاسب لأهل المنطقة، وجاء مشروع المياه في مقدمتها، إذ اعتمدت النهضة على تبرعات أبناء الولاية نفسها، وأعلنت الحكومة في الخرطوم عن برنامج "زيرو عطش" لحل أزمة المياه في البلاد وإن بنسب متفاوتة.

وتقدّر حصة السودان من مياه النيل بنحو 18.5 مليار متر مكعب، يستغل منها فقط 12.2 متر مكعب في العام، بينما تبلغ الكمية الإجمالية لنهر النيل ورافديه الرئيسين "النيل الأبيض والأزرق"، وأنهار عطبرة والرهد والدندر نحو 50 مليار مكعب.

ويقدّر مخزون المياه الجوفية التي تنتشر بمساحة 50 في المائة من البلاد بنحو 15.200 مليار متر مكعب، يستغل منها 1.3 مليار متر مكعب، يأتي نحو 20 في المائة منها من حوض أم روابة بولاية شمال كردفان و28 في المائة منها من حوض النوبة.

 

المساهمون