ترحيل أفارقة... الجزائر قلقة على مواطنيها من المهاجرين

27 أكتوبر 2016
تأمل في الوصول إلى أوروبا يوما ما(فاروق باطيش/فرانس برس)
+ الخط -
تستمرّ الجزائر في ترحيل المهاجرين الأفارقة إلى دولهم. هي تخشى انتشار الأمراض والاتجار بالممنوعات وحدوث مشاكل بينهم وبين المواطنين في ظل انتشار المخيمات العشوائية، وإن كانت منظمة العفو الدولية تطالب بالرأفة بحالهم

بدأت السلطات الجزائريّة عمليّة ترحيل ثالثة للنازحين من دول النيجر ومالي وغيرها من الدول الأفريقية، وعددها 16، بعدما كانت قد رحلت 17 ألف مهاجر إلى النيجر، على خلفية المواجهات الأخيرة بين السكان المحليين والمهاجرين الأفارقة في العاصمة الجزائر ومدن تمنراست وبشار وورقلة.

وعادة ما يجتاز آلاف المهاجرين الأفارقة القادمين من دول أفريقية فقيرة الصحراء ويتحملون مشقة الانتقال من دولة إلى أخرى، بهدف الوصول إلى الجزائر، وانتظار الفرصة لصعود أحد مراكب الحلم الأوروبي. بعض هؤلاء تركوا بلادهم بسبب الحروب أو الفقر وعدم توفّر فرص العمل، ما دفعهم إلى السعي إلى عيش حياة كريمة في دول الجوار أو على الضفة الأخرى للمتوسط.

في إبريل/ نيسان عام 2015، وصل بيبا مارسيلو دوباري إلى العاصمة الجزائرية، بعدما كان قد اجتاز آلاف الأميال انطلاقاً من بلده غينيا. يقول: "تركت غينيا وتوجهت إلى مالي، ثم إلى بوركينا فاسو. هناك، صرفت مالاً كثيراً، خصوصاً عند الحواجز الأمنية. بعدها، غادرت إلى النيجر واجتزت الصحراء وسط مصاعب كبيرة قبل الوصول إلى تمنراست الجزائرية. وبعد أسبوعين من العيش فيها، لم أجد عملاً. أحياناً، كنت أحصل على أعمال شاقة في مقابل بعض الدراهم التي لا تكفي لكي أشتري الطعام بواسطتها حتى".

مع ذلك، لم ييأس من تحقيق حلمه. انتقل إلى مدينة غرداية، عند بوابة الصحراء الجزائرية، ليصطدم بالظروف السيئة، إذ تعيش المدينة على وقع فتن طائفية بين العرب والأمازيغ، فسعى إلى الوصول إلى العاصمة الجزائرية. وهذا ما حصل، ليكتشف واقعاً جديداً. فيها، سعى مهاجرون كثر إلى خلق مجتمع أفريقي صغير للتعايش مع واقع الحال في الجزائر، وأقاموا مخيمات صغيرة، فيما عاش آخرون في بعض المباني قيد الإنشاء. وخلال الأشهر الماضية، كان لافتاً انتشار مخيمات عشوائية للمهاجرين، ريثما يستطيعون تحقيق حلمهم الأكبر.

تجدر الإشارة إلى أن بعض شبكات التهريب تسعى إلى إيصال المهاجرين إلى الجزائر، وتحديداً مدينتي تين زواتين وتمنراست (جنوب البلاد)، والتي تعد أولى محطات المهاجرين الأفارقة. وللانتقال من مدن الجنوب إلى مدن الشمال، تمهيداً للعبور إلى أوروبا من خلال القوارب، يجتاز المهاجرون الحواجز الأمنية، ويعملون في ورش للبناء والزراعة لجمع بعض المال. لكنّهم يشكون من الاستغلال، إذ يلجأ بعض المقاولين وأصحاب المزارع إلى استغلال حاجتهم للعمل، وهو ما دفع أحد المهاجرين القادمين من مالي إلى القول إن "الجزائريّين يستغلّوننا ويمنحوننا عملاً، لكنهم لا يدفعون لنا مقابلاً معقولاً. فما يتقاضاه العامل الجزائري ليس المبلغ الذي نتقاضاه نحن كأفارقة".


في المقابل، يفضّل كثيرون، خصوصاً القادمين من النيجر ومالي، التسوّل. ويوضح ناصيف محمدو، الذي قدم من النيجر، أنه يتسوّل في ظل انعدام الخيارات، "جئناً هربا من الحرب والنزاعات، ولم نجد سبيلاً للعيش. نحاول جمع المال من المحسنين لشراء الطعام".

وسبّب انتشار المخيّمات العشوائية للمهاجرين الأفارقة في وسط وأطراف المدن الجزائرية حالة من القلق للسكان المحليين والسلطات الجزائرية، خصوصاً بعد الأحداث الأخيرة والمواجهات مع السكان المحليين في مدن العاصمة وبشار وتمنراست، بسبب انتشار الأمراض والاتجار بالممنوعات والخلافات بين المهاجرين والسكان. أمور غيّرت من مواقف الجزائريين والحكومة إزاء التواجد العشوائي للمهاجرين الأفارقة، ما دفع السلطات إلى اتخاذ قرار ترحيل 20 ألف مهاجر أفريقي، غالبيّتهم من النيجر. إلّا أنّ المهاجرين الأفارقة لا يبدون استجابة لعمليات الترحيل الطوعية. يقول مارسيلو دوباري القادم من غينيا: "أعتقد أن الوضع والعيش في الجزائر أفضل بكثير، رغم أن الظروف لم تكن جيدة".

يشار إلى أن غياب قانون ينظّم اللجوء في الجزائر زاد من أزمة هؤلاء المهاجرين، رغم أن الجزائر كانت قد وقّعت على الاتفاقية الدولية للاجئين في عام 1951، والبروتوكول الملحق في عام 1967، لكنّها لم تضع حتى الآن إطاراً قانونياً، وتنتقد أوضاع المهاجرين الأفارقة.
في هذا السياق، تقول مديرة مكتب منظمة العفو الدولية في الجزائر، حسينة أوصديق، لـ"العربي الجديد"، إنّه "لا توجد إحصائيات رسمية للمهاجرين الأفارقة، لكن الرقم يرواح ما بين 30 ألفاً و100 ألف لاجئ أفريقي. هؤلاء هم ضحايا نزاعات مسلحة ويستحقون الحماية. للأسف، الجزائر لم تضع الأمر في الاعتبار، وبعضهم يتعرض للتمييز". تضيف: "أن تكون لاجئاً أو نازحاً ليس خياراً. الإنسان الذي يترك بلده وحيّه وعائلته وجيرانه ليذهب في مغامرة عبر الصحراء أو البحر لا يختار الأمر. علينا أن نفهم ذلك".

في المقابل، تؤكد السلطات الجزائرية أنها بذلت كل الجهود الممكنة للتكفل بالمهاجرين الأفارقة. تقول مديرة هيئة الهلال الأحمر الجزائري، سعيدة بن حبيلس، لـ"العربي الجديد"، إن "جميع التقارير التي تتحدث عن أوضاع غير إنسانية للمهاجرين الأفارقة في مراكز إيواء المهاجرين في الجزائر لا أساس لها من الصحة". تضيف أن "المنظمات الإنسانية لا تعرف إلى أي درجة نعمل ونبذل جهداً ومالاً للتكفل بهم ورعايتهم"، مشيرة إلى أن "الجزائر أقامت مراكز لإيواء المهاجرين الأفارقة برعاية الهلال الأحمر الجزائري، لكننا نرفض استغلال مأساة المهاجرين الأفارقة لغايات سياسية، أو الدعاية في الإعلام". وتؤكد أن النيجر طلبت مساعدتنا في ترحيل 17 ألف مهاجر من رعاياها من الجزائر، بسبب مخاوف من استغلالهم في شبكات الجريمة والإرهاب.

قرار الترحيل الأخير الذي أعلنت عنه السلطات الجزائرية لن يؤثّر على المهاجرين من النيجر فقط. فقد أكد وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي، أن الترحيل سيؤثّر على مهاجرين من دول أخرى، ككوت ديفوار والكاميرون وغينيا ومالي، أي أنه سيشمل جميع المهاجرين الذين وصلوا إلى الجزائر بطريقة غير قانونية. وتحاول الجزائر إبعاد آلاف المهاجرين، الذين يقيمون بطريقة غير شرعية، إلى بلدانهم، خصوصاً في ظل المخاوف الأمنية والمشاكل الأخيرة في بعض المدن.

100 ألف مهاجر
يكشف تقرير الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، والذي أصدرته أخيراً، أن 100 ألف مهاجر أفريقي يعيشون في الجزائر، هرباً من الفقر والحروب والنزاعات، ما يدفع الجزائر إلى تحمّل أعباء اجتماعية إضافية، وسط مخاوف المشاكل الأمنية المرتبطة بتزايد نشاط الجماعات المسلحة وعصابات تهريب المخدرات في منطقة الساحل والصحراء.

المساهمون