جورج المقتول في الشارع

18 يوليو 2015
ومثلك، ننتظر الوحش أن يقتلنا كلّ لحظة (العربي الجديد)
+ الخط -

لم تكن يا جورج تستحق ميتة كهذه. لا أحد يستحق ميتة مشابهة. أن تقضي بسبب إشكال على أفضلية مرور في الشارع، ذلك يعني حتماً أنك مررت في الشرق المريض. لن تفهم لماذا غضب القاتل كلّ هذا الغضب منك وقرّر أن يقضي عليك. فنحن، في هذا الشرق، دَمُنا حامٍ يا رجل. لماذا لم تنتبه لذلك؟

لم يرأف بزوجتك التي رجته أن يرحمك. لم يسمعها. قلبه الأسود سدّ أذنَيه وأغمض عينَيه وبلع شعوره قبل زمن طويل. أصلاً لم تكن الضحية الأولى ولن تكون الأخيرة. لعلّ هذا يخفّف عنك.

ماذا ارتكبتَ يا رجل؟ فكّرتَ أن تطالب بحقك؟ قرّرت أن تعرف من يكون كي تقاضيه أمام القانون؟ ما هذا الذي اقترفتَه؟ هل صدّقت فعلاً أنك كنت قادراً على نيل حقك؟ هل ظننت لوهلة أنك تعيش في ظلّ دولة أو نظام؟

كان يجب أن تعطيه أفضلية المرور كي تحفظ رأسك. كان يجب أن تتركه يصدم سيارتك ولا تبالي. كان يجب أن تتصرّف كأنك لم تر ولم تسمع الشتيمة ولم تشعر بشيء. أليس هذا ما تعوّدنا فعله؟ دفن رؤوسنا؟ أليس هذا ما عوّدونا عليه؟

أنت لم تمت لأن مصاباً بمسّ من الجنون هاجَمَكَ وذَبَحكَ في الشارع تحت أعين المارة. أنت متّ لأن هذا المعتوه ظلّ في الشارع بعدما ارتكب جرائم سابقة. ارتكب الجرائم والمخالفات ووجد دوماً من يحميه. ولأن من يحميه يرتدي قفّازات مخمليّة، لن يمسّه أحد. يجلس الآن خلف مكتبه ويبتسم بلؤم. مَن مثله يحبّون الشهرة. ولأن من يحمي قاتلكَ لن يمسّه القانون، ستمضغ زوجتك المسكينة مرارة الأيام المقبلة وحدها، وستبحث عن سبلٍ تغطّي الفراغ الذي خلّفتَهُ في نفوس وأرواح الأربعة الذين صاروا أيتاماً من بعدك.

هل قلتَ قانوناً يا رجل؟ هل صدّقتَ ذلك؟ هل ظننتَ أنك ستهرب من مفتول العضلات، صاحب السكين القاتلة، الذي تحميه أموال كثيرة؟ هل صدّقتَ حقاً أن القوى الأمنية لن تخلف ميعادها، هذه المرة، فتصل في الوقت المناسب كي تنقذك من بين يدَيه؟ هل شعرتَ أن بإمكانك الاعتماد على الناس في الشارع كي يصطفّوا معك ضدّ الوحش؟

إذا كنتَ قد صدّقتَ كلّ ذلك فقد أخطأت فعلاً. مَن مثلنا لن يستطيع الهرب من أذى النّافذين، والقوى الأمنية لن تصل يوماً في الوقت المناسب، والناس لن تصطفّ معكَ. ستقف لتتفرّج عليكَ وتصوّرك بهواتفها في السرّ خائفة، ومرتعشة. هل تعلم لماذا؟ لأن شجاعتها قد ماتت قبلكَ بزمنٍ طويل. قتلوها قبل أن يقتلكَ الوحش.

لن نبكيكَ. سننساكَ بعد بضعة أيام، ولن يتذكّركَ إلاّ الأقربون. فالأجدى أن نبكي حالنا الذي وصلنا إليه. لقد حان وقت إسدال الستارة وإعلان نهاية المسرحية. المسرحية التي لسنا فيها إلّا متفرّجين. ومثلك، ننتظر الوحش أن يقتلنا في كلّ لحظة.

اقرأ أيضاً: رصاصة في رؤوسنا
المساهمون