رحلة جهاديات أوروبيات بلا عودة إلى "داعش"

30 مايو 2015
+ الخط -


عندما اندفعت ثلاث تلميذات بريطانيات عبر الحدود السورية؛ عندما فرت فتاة حامل في الرابعة عشرة من عمرها من منزلها في الألب للمرة الثانية؛ عندما حجزت فتاة، من جنوب فرنسا، لها أول رحلة الى الخارج- كن يذهبن إلى مكان اللاعودة.

اثنتان فقط من نحو 600 فتاة وامرأة ممن انضممن الى المتطرفين في سورية، عرف أنهما عادتا من منطقة الحرب. بالمقارنة، ثمة 30 في المئة من المقاتلين الأجانب الذكور غادروا منطقة الحرب أو في طريقهم إلى مغادرتها، طبقاً لأرقام أصدرتها الحكومات الغربية التي تراقب عودة المقاتلين الأجانب.

طبقاً لمقابلات ووثائق محاكم وسجلات عامة، تكونت صورة تفصيلية عن الفتيات الأوروبيات والنسوة الشابات اللاتي انضممن إلى المتطرفين مثل تنظيم الدولة الإسلامية- في قرار كان نهائياً.

الفتيات تزوجن على الفور تقريباً، سواء في تركيا أو فور اجتيازهن الحدود الى سوريا. مع وجود ما يقدر بنحو 20 ألف مقاتل أجنبي- من بينهم خمسة آلاف أوروبي- في سورية، ليس ثمة نقص في الرجال الذين يبحثون عن زوجات لهم.

ومن المتوقع، أن يتضاعف هذا الرقم في نهاية العام. وعندما يصبحن بين الجهاديين، لن يسمح لهن بالسفر إلا مع محرم، أو ضمن مجموعة من نساء أخريات وعليهن تغطية أجسامهن بالكامل، طبقاً لتعليمات أصدرها الدولة الإسلامية والباحثون الذين يتابعون الجماعة المتطرفة. وإلا فإنهن يخاطرن بالتعرض للجلد أو لما هو أسوأ.

النساء الأوروبيات اللاتي يكتبن تدوينات عن حياتهن تحت حكم الدولة الإسلامية يملن إلى إظهار المرح في تجربتهن، لكن قراءة ما بين سطور كتاب إلكتروني عن نصائح السفر تظهر حياة سيتم تقييدها على نحو جذري، مع محدودية الكهرباء، وانعدام أبسط المواد العلاجية، وانعدام التحكم الذاتي. النساء لا تقاتل، يقول الباحثون، برغم وعود المجندين التي تشابه روايات "ألعاب الجوع".

تقول سارة خان، وهي بريطانية مسلمة تعمل ضمن جماعة "إنسباير" التي تقوم بحملات تبين مخاطر المجندين المتطرفين "حياة الفتيات المراهقات واقعة تحت السيطرة المطلقة، ولا أظن أن النقاش الداخلي متاح أو ممكن، إنها حياة واقعة تحت أحلام الرومانسية، فكرة اليوتوبيا- المدينة الفاضلة. حتى إني لا أعتقد بأن تلك الفتيات الشابات يدركن أصلاً بأنه لا سبيل للعودة الآن".

اقرأ أيضاً:نساء متشدّدات.. 700 تونسيّة في "داعش" و"النصرة"

الاستثناءان لقاعدة عدم العودة يتكشفان أكثر في التفاصيل النادرة حول عودتهن- كم هي غامضة الحياة وراء حجاب الدولة الإسلامية.

اعتنقت سترلينا بيتالو، وهي مراهقة هولندية، الإسلام وباتت تحمل اسم عائشة، وتوجهت إلى سورية في عام 2014 للزواج من مقاتل جهادي هولندي هناك، وتمكنت من العودة بعد أشهر- على ما يبدو عن طريق التوجه إلى الحدود مع تركيا، حيث يقال، إن أمها التقطتها وعادت بها إلى هولندا. وعند عودتها تم اعتقالها في الحال للاشتباه في انضمامها إلى جماعة إرهابية.

ترفض أسرتها ومحامون وممثلو ادعاء مناقشة القضية. وأفرج عنها من الاحتجاز في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ولم توجه إليها اتهامات رسمية.

المرأة الثانية التي يعرف أنها خرجت من قبضة الدولة الإسلامية، أعادت النظر في الأمر بعد بضعة أسابيع. وأخذت البريطانية، البالغة من العمر 25 عاماً، التي ترفض الشرطة البريطانية ذكر اسمها، ابنها الرضيع إلى الرقة، معقل الجماعة، عندما قررت أنها ارتكبت خطأ واتصلت بموطنها. وعادت إلى تركيا والتقى بها والدها هناك.

أما كيف تمكنت من قطع مسافة 250 كم من الرقة إلى مدينة غازي عِنتاب الحدودية التركية فهو أمر ليس واضحاً. وعند عوتها إلى بريطانيا اعتقلت، والآن هي حرة طليقة بكفالة في انتظار توجيه اتهامات رسميّة لها.

وبدون معرفة كيف فرت الاثنتان، من الصعب أن نعرف ما إذا كانت الفتيات والنساء الأخريات يمكن أن يحذون حذوهن للخروج من سورية أم لا، وفقاً لما تقوله جوانا كوك، وهي باحثة في كينغز كوليج في لندن، تدرس العلاقات بين النساء والجهاد.

قالت كوك في رسالة بالبريد الإلكتروني "من الواضح أن هناك الكثير من مهربي البشر الذين يعملون داخل سورية الآن، حيث يساعدون المدنيين السوريين على الفرار من العنف، وأتساءل ما إذا كانت هناك سوق مماثلة، ربما آخذة في النمو، لأولئك الذين يحاولون الهروب بعد الانضمام إلى الدولة الاسلامية. هناك خيبة أمل كبيرة بالنسبية لكثيرين ممن سافروا لسورية للانضمام إلى الدولة الاسلامية، وسوف تجد الكثير من القصص عن أولئك الذين سافروا إلى الخارج قائلين (ليس هذا هو ما تعاهدنا عليه)".

المسألة هي ما إذا كانت الفتيات يفهمن من البداية إلى أي مدى ستكون خياراتهن محدودة بمجرد عبورهن الحدود.

حالة فتاة أفينون، 15 عاماً، تعد مثالاً على هذه الشكوك. أخفت الفتاة حسابها الثاني على فيسبوك ونقابها الإسلامي من أسرة مسلمة معتدلة، وتمكنت بذلك من الانضمام إلى شبكة جهادية، وفقاً لما ذكره محامي الأسرة. وبمجرد أن أصبحت في وحدة من وحدات جبهة النصرة التابعة للقاعدة، لم يسمح لها بالمغادرة، وفقاً لما يذكره شقيقها، الذي ذهب إلى سورية لإحضارها ولكن المتطرفين طردوه. وسمح لفتى فرنسي انضم إلى الجماعة في الوقت نفسه بالعودة إلى بلاده.

اقرأ أيضاً:نجل أحد المسؤولين البريطانيين حاول التسلل لسورية

تقول ميلاني سميث، وهي باحثة أخرى في المركز الدولي لدراسة التحول الراديكالي والعنف السياسي "أعتقد أنهن يفهمن ذلك الافتراض، ولكنهن لا يفهمنه في الواقع".

الشبكات التي تأتي بالنساء إلى سورية تدور حول حلم المتمردين في بناء دولة من الجهاديين متعددي الجنسية، مما يعني أن الفتيات الأوروبيات موضع اهتمام كبير على نحو خاص. وكل رسالة جديدة على فيسبوك وكل تغريدة تشجيع على حساب تويتر- وهي تظهر على مدار الساعة- تساعدهم في تخريب جهود الحكومة في منع الشبان من التحول الراديكالي والمغادرة.

يمكن مشاهدة صلابة أساليب الجهاد لتجنيد الفتيات في حالة إميليا وهي فتاة في الرابعة عشرة من عمرها من منطقة ألبين إيسير.

اتصل مقاتل فرنسي بإميليا لأول مرة على فيسبوك في 14 يناير/ كانون الثاني 2014، وخلال شهر، وافقت على الذهاب إلى سورية والزواج من الرجل الذي عرف نفسه باسم "توني توكسيكو". وبعد أن أحبط حرس الحدود في مطار ليون محاولتها الأولى، أقنع "توني توكسيكو" مراهقة فرنسية أخرى بالانضمام إليه في سورية.

في الوقت نفسه، هربت إميليا من بلدها إلى بلجيكا، حيث قام إمام بتزويجها في احتفال ديني إلى رجل مختلف، وهو جهادي جزائري. وعادت إلى فرنسا بعد أن شعرت بالحنين إلى الوطن، وهي حامل، وبعد مرور وقت طويل بما يكفي للتحدث إلى المحققين الذين يبنون قضية ضد رجل في منتصف العمر ساعدها على الهروب.

وهذا الشتاء، تمكنت إميليا من خداع عائلتها لتغادرها مرة أخرى، لتنجح هذه المرة في الوصول إلى سورية مع المقاتل الجزائري، الذي يبلغ عمره ضعف عمرها.

يقول سيباستيان بياتراسانتا، وهو نائب فرنسي يعمل على برنامج تخليص الشباب من الراديكالية والتعصب "الأمر صعب على وجه التحديد بالنسبة لهذه الأسر. بالنسبة لهم، التطرف يحدث على الإنترنت وخارج نطاق العائلة". وتابع "بالنسبة لفتاة في الرابعة عشرة من عمرها، أعتقد أننا نستطيع بوضوح إنقاذها من نفسها وإنقاذها من هؤلاء الهمجيين".

كانت صحافية فرنسية قد اقتربت بشكل خطير من طرق التجنيد الجهادية من خلال إنشاء حساب مزيف على فيسبوك، الذي اجتذب أحد عروض الزواج من مقاتل في سورية.

تحت الاسم المستعار ميلودي، شاركت الصحافية مقطعاً مصوراً على حسابها، وبعده مباشرة تلقت رسالة من رجل يدعى بلال، الذي سألها عن رأيها في صورة مركبة له، وهو يستعرض نفسه مع سيارة دفع رباعي ومع أسلحته.

وقالت الصحافية التي أصدرت كتاباً بعنوان "في جلد جهادية" تحت اسم مستعار "قدمت نفسي باعتباري فتاة في العشرينات، ليست غبية لكنها تائهة إلى حد ما، وجدت نفسها فجأة أمام استجابة كبيرة من رجل في سورية".

بدأت شكوك بلال بشأن الصحافية تتزايد كلما اتضح ترددها في الانضمام إليه. وانتهى بها الأمر، وهي تتلقى تهديدات قالت، إنها من المحتمل أنها كانت ستخيف امرأة شابة حائرة لتخضعها. وفيما يمر الوقت، ما زالت الصحافية، التي لم تلتق بلال مطلقاً وجهاً لوجه، تحت حماية الشرطة المستمرة بعدها بعام.

تتذكر التهديدات التي تلقتها عقب عودتها إلى فرنسا ومنها "سنجدك، لدينا أفضل العملاء هنا، أنت لا تعرفين ما تقحمين نفسك فيه، إنك تعبثين مع جماعة إرهابية، أنت وعائلتك ستدفعون الثمن". وقالت "إذا كانوا يتحدثون إلى فتاة في العشرين من عمرها، فسيكون وقع الأمر صعباً للغاية عليها".

المساهمون