تونسيّون.. يبيتون على أرصفة الشوارع

31 مارس 2015
حكايته تتشابه وقصص ثلاثة آلاف تونسيّ (مريم الناصري)
+ الخط -
لا يملك عنواناً ولا بيتاً. يعيش على أرصفة تونس أو في بعض محطات المترو والحافلات. يغطي جسمه بخرق بالية يبدو أنها ذاتها منذ سنين، وقد طمست الأوساخ ألوانها. جميع الناس يعرفونه، ومعظمهم يساعدونه ببعض مال أو بعض طعام. لكن أحداً لا يستطيع توفير مأوى له. عبثاً تحاول التحدّث إليه، فهو يهاجمك وينهرك إن حاولت سؤاله عن حاله.

لا أحد يعلم من أين أتى ولا حتى اسمه. حكايته قد تتشابه وقصص نحو ثلاثة آلاف تونسي يعيشون في الشوارع ويتقاسمون المعاناة واللامبالاة معاً، وفق ما تشير رئيسة جمعية "دار تونس"، روضة السمراني.

وتوضح السمراني، التي تُعنى جمعيتها بالمشردين، أنّ "60 في المئة من هؤلاء أتوا من المناطق الداخلية بحثاً عن لقمة عيش. لكن الفقر وسوء الحال جعلاهم غير قادرين على استئجار المساكن". تضيف أنّ "النساء بلا مأوى يشكلن 30 في المئة من مجمل المشردين، في مقابل 70 في المئة من الرجال"، مشيرة إلى وجود "أعداد من الأطفال المشردين. أما المشردة الأصغر سناً التي عثرت عليها الجمعية، فتبلغ من العمر 10 سنوات".

في حديقة "باساج"، أكبر حدائق العاصمة تونس، ينام عجوز وقد تقوقع على نفسه، فوق قطعة من الكرتون. يغطي نفسه بخرقة بالية، لعلّ الدفء يصل إلى بعض مفاصله. لا يبرح الحديقة ليلاً ولا نهاراً، وفق ما يخبر معظم المتجولين في المكان. كغيره من المشردين، يقتات على بعضٍ ممّا يقدمه الناس له. لكنه لا يجالس أحداً ولا يخبر أيّاً كان من أين أتى أو ما الذي أصابه.

جمعية "دار تونس"، التي تأسست في عام 2011، من أولى الجمعيات التي اهتمت بالتونسيين المشردين. وتشير السمراني إلى أنهم يقومون بجولات ليلية للبحث عن هؤلاء والاهتمام بهم. فهم اعتادوا، من خلال أطباء ومتخصصين، أن يقضوا بعض الليالي في تأمين المساعدات لهم، من أغطية وفرش ومعاطف، بالإضافة إلى تقديم الإسعافات العاجلة والأدوية والغذاء. وهم يعثرون على معظمهم في الحدائق العامة ومحطات النقل.

لكن الجمعية تعاني صعوبات مادية، بحسب السمراني، نتيجة نقص التمويل ومحدودية التبرعات التي تصلها. فالتمويل الذي تتلقاه لا يُخصص فقط للمشردين، إذ ثمة حالات اجتماعية صعبة أخرى تضطر الجمعية إلى التعامل معها وتقديم العون لها.

هي تطمح إلى إنشاء مركز إيواء لمئة مشرّد من أصل ثلاثة آلاف، لكن معالجة تنامي ظاهرة المشردين تستلزم مزيداً من التمويل والمساعدات.

إلى ذلك، نحصي في البلاد ثلاثة مراكز تهتم بالمشردين، من بينها "مركز الإحاطة والتوجيه الاجتماعي". لكن طاقة استيعابه، التي لا تتعدى 50 حالة على أبعد تقدير، متواضعة جداً بالمقارنة مع هول الواقع. هو يوفّر الإقامة والمأكل والكسوة إلى جانب العلاج في بعض الأحيان، لا سيما للنساء والمسنين. كذلك، يستقبل بعض المسنين الذين فقدوا السند لمدّة زمنية معيّنة، قبل تحويلهم إلى دور المسنين. يأوي المركز أيضاً أمهات عازبات ترفضهن عائلاتهن، أو بعض الأطفال الذين يحوّلون لاحقاً إلى مراكز رعاية الطفولة.

يعمل في المركز فريق متعدد الاختصاصات، من اجتماعي ونفسي وطبي وتربوي. فيكون التعامل مع الحالات على المستوى النفسي بداية، ومن ثم على المستوى الاجتماعي. لكنّ الإقامة في المركز مؤقتة وظرفية، ترتبط مدتها بالحالة وقدرة المركز على إيجاد حلول لكل حالة، سواء بالمصالحة العائلية أو عبر توجيهها إلى هيئة أخرى، مثل دور المسنين أو دور رعاية الطفولة.

من جهة أخرى، كانت وزارة الشؤون الاجتماعية قد وقّعت، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، اتفاقية مع عدد من مكونات المجتمع المدني، تقضي بتفعيل قرار وزاري متعلّق باستحداث فريق للإسعاف الاجتماعي. كذلك تهدف الاتفاقية إلى مساعدة الفئات الاجتماعية الهشة، وخصوصاً هؤلاء الذين لا يملكون مأوى.

وبحسب ما أوضح الوزير خليل الزاوية، في ذلك الحين، فإن فريق النجدة المتجوّل سيعمل خارج الدوام الإداري لمساعدة الأشخاص المشردين الذي اضطروا لأسباب شتى إلى مغادرة سكنهم والعيش في الشارع، من أمثال الأطفال المعنّفين والأمهات العازبات وذوي الإعاقة والسجناء المفرج عنهم. لكن، وبعد مرور أكثر من عام على هذا القرار، لم يشكَّل الفريق بعد ولم يتقلّص عدد المشرّدين، خصوصاً في العاصمة. هم ما زالوا بمعظمهم، يعانون البرد والجوع ويقتاتون على مساعدات الناس.
دلالات