سوريّون في تركيا.. طبابة وبحر وحدائق ونظام

16 مارس 2015
تُعيق اللغة التركية اندماج السوريين (آريس ميسينيس/فرانس برس)
+ الخط -

لمّا ترك الصحافي السوري نجم السمان دمشق قبل أكثر من عامين، عرف ثلاثة بلاد: الجزائر ومصر وتركيا. يقول: "كنت بحاجةٍ إلى صديق جزائري يؤويني في بيته، وآخر يكفلني مادياً. وكان علي أن أجدد أوراقي كل 45 يوماً". أما في مصر، "فكنت بحاجة إلى تجديد الإقامة كل ستة أشهر، قبل أن ينقلب مزاج الحكومة المصرية ضد السوريين، فغادرت".

اليوم، يقيم نجم في تركيا. مضى على مكوثه هناك نحو عام ونصف العام. لم يحدث أن اضطر لإبراز بطاقة إقامته السنوية إلا عند توقيع عقد البيت الذي استأجره، وحين أجرى تحليل دم مجانياً في المستشفى الحكومي التركي (يحظى السوريون بطبابة مجانية)، فيما تدرس ابنتاه أيضاً في مدرسة حكومية تركية.

كان نجم قد زار إسطنبول وأنطاكية مرتين قبل اندلاع الثورة في سورية. ما زال موقفه من البلد على حاله، مع فارق أنه صار يسمع اللهجة السورية خلال سيره في ساحة تقسيم، أو شارع الاستقلال وصولاً إلى بحر مرمرة. هناك، ينظر إلى الأسماك التي "تغذّت من السوريين الذين حاولوا الهجرة إلى العالم الحرّ"، يقول. ويتابع: "لهذا لم أتناول طبق السمك الإسطنبولي الشهير حتى اليوم".

لغة.. ومصالح

في العاصمة السياحية إسطنبول، يتوافد كثير من الناس من مختلف البلدان. وفي المناطق المحافظة كالفاتح، تشعر وكأنك في دمشق، بخاصة عندما يخترق صوت الآذان أجواء المدينة الصاخبة. هناك تحديداً، تقيم لانا منذ سنة. في البداية، لم تستطع التواصل مع الأتراك. تشعر برغبتهم بتقديم المساعدة والعون لها، لكن اللغة كانت تقف حاجزاً بينهم. تقول لانا إن "اللغة هي المشكلة الوحيدة التي من الممكن أن تواجه السوريين هنا وتعيق اندماجهم. الشعب التركي يهتم بشؤونه فقط ولا يتدخّل بالآخر. كل إنسان حر شرط ألا يؤذي أحداً".
ترى لانا أن هناك مصلحة اقتصادية لتركيا جرّاء الوجود السوري. على سبيل المثال، في إسطنبول مطاعم سورية كثيرة. كذلك، يعمل السوريون في مجال بيع وتصليح الهواتف النقالة والكومبيوتر، عدا عن كون المناطق السورية الشمالية الخاضعة لسيطرة المعارضة قد أصبحت سوقاً لتصريف السلع والمنتجات التركية.

أما نور الأحمد، فتقول إن "الأتراك يحترمون القوانين والأنظمة بشكل كبير". وعن المنافسة في سوق العمل، توضح أنه "يصعب على السوريين مزاحمة الأتراك"، لافتة إلى أن "السوريين يعملون مع العرب بشكل عام في الورش والمصانع، أو يقيمون مشاريعهم البسيطة. فالوظائف المهمة هنا تحتاج لمؤهلات عالية ولغة".

مطبخ

تكثرُ في شوارع المدن التركية، وخصوصاً تلك الحدودية منها مثل غازي عنتاب ومرعش وأنطاكيا، المحال التجارية السورية، وخصوصاً المطاعم التي تقدم المأكولات الشعبية كالحمص والفول. وعادة ما ترى الأطفال والشباب أمام المحال يبيعون العرقسوس والجلاب والحلويات البسيطة التي تصنع في المنزل مثل "العوامة والمشبك".
ولم يجد السوريون أية صعوبة في الترويج لمطبخهم الذي لا يختلف كثيراً عن ذلك التركي (نتيجة للحقبة العثمانية)، على غرار "الدولما" أو المحاشي، والكباب، والكفتة، والشاورما (إحدى أشهر الأكلات الشعبية في تركيا).

ويعرب السوريون عن سعادتهم بسبب وفرة المساحات الخضراء والحدائق. تقارن لمياء بين سورية وتركيا. تقول: "كنا نجلس على مقربة من شجرة ونهر جاف على طريق المطار أو الربوة. وكانت كلفة المشوار تصل إلى خمسة آلاف ليرة (نحو 26 دولاراً). أما هنا، فالحكومة التركية حريصة على رفاهية مواطنيها مجاناً، بالإضافة إلى تجميل الطرقات".
تتحدث لمياء، وهي من حلب، التركية كونها تركمانية الأصل. سكنت مدينة غازي عنتاب الحدودية منذ عامين. في الصباح، تحرص على تحضير الطعام لعائلتها في حديقة البناء الذي تسكنه، بمساعدة جيرانها السوريين والأتراك. تقول: "سورية لا تُعوَّض أو تقارن ببلاد العالم مجتمعة، لكن الظرف فرض علينا التأقلم مع الواقع الجديد إلى حين العودة لأرضنا".
أما حسن الذي قدم إلى تركيا من لبنان حديثاً، فيقول إنه "في هذه المدينة الصغيرة التي أقطنها، وهي غازي عنتاب، لم ألمح أية سيدة تركية تمشي إلى جانب عاملة منزلية. لم أر أناساً يُضطهدون. أشعر بالراحة لأنني لم أعد أرى تفاصيل كثيرة كانت تزعجني. والأغرب أنني لم أكن أدرك تأثيرها السلبي علي. هنا يعيش الناس ببساطة".

بازار

لجأ كثير من السوريين إلى التسوق من البسطات الموجودة في عدد من حارات المدن التركية، ضمن ما يعرف بالبازار (سوق شعبي). وعادة ما تقصده العائلات أيام الآحاد لشراء حاجيات الأسبوع، وبأسعار مناسبة. ويقول عدد من السوريين إن البازار ساعدهم على توفير المال بنسبة تتجاوز الـ 25 في المائة بالمقارنة مع الأسواق الأخرى، عدا عن احتوائه كل مستلزمات البيت من أدوات للمطبخ والملابس وصولاً إلى التوابل والخضار وغيرها.
من جهة أخرى، كان البازار بمثابة عامل إيجابي بالنسبة للسوريين وساعدهم على إيجاد فرص عمل، على غرار أحمد الذي لم يتجاوز العشر سنوات. تراه يدور من بازار إلى آخر، يبيع المنتجات والبضائع السورية من خبز وزعتر وصابون وغيرها. نزح أحمد مع عائلته من منطقة الباب إلى حي السكري في حلب. كانت والدته تعمل في موقف للباصات في حلب. وبعد إغلاقه، ساءت أوضاعهم كثيراً، ما دفع أحمد للعمل. يبدو مرتاحاً. يقول إن الأسواق الشعبية لا تحتاج لرخصة أو أوراق رسمية، وهي متاحة للجميع.

تجدر الإشارة إلى عدد السوريين المتواجدين في تركيا وصل إلى نحو مليونين ونصف المليون، بحسب الإحصائيات الأخيرة، عدا عن نحو 300 سوري يدخلون يومياً عبر الحدود الشمالية الواقعة تحت سيطرة القوات المعارضة أو المطار الدولي. وتعد تركيا الدولة الوحيدة التي ما زالت تستقبل اللاجئين السورين دون شروط أو قيود. بدورهم، وجدوا فيها ملاذاً آمناً بعيداً عن قصف قوات النظام والبراميل المتفجرة.