دراسة: الدنماركيون أكثر تقبّلاً لاستخدام التعذيب

07 ديسمبر 2015
واحد من كل خمسة يوافق على التعذيب (العربي الجديد)
+ الخط -
يبدو أن الثقافة الإسكندنافية، التي كانت تعتبر الحرية والإنسانية قيمة لا تعلوها أية قيمة، باتت تتغير تغيراً يثير فزعاً حقيقياً عند الحقوقيين ومنظمات تعنى بحقوق الإنسان. فقد أظهرت دراسة قامت بها المؤسسة الدنماركية ضد التعذيب، "ديغنيتي"، نُشرت نتائجها يوم أمس، السبت، أن الدنماركيين صاروا أكثر تقبّلاً لاستخدام التعذيب كوسيلة لانتزاع اعترافات ممن يُشك في أنهم إرهابيون.

شملت الدراسة 1125 شخصاً جرى سؤالهم عما إذا كان يمكن استخدام التعذيب في حالات معينة، فوافق واحد من كل ثلاثة على استخدام التعذيب.

في السابق، وبعد 2001، نشطت حركة شعبية دنماركية تفضح وسائل التعذيب الأميركية كالحرمان من النوم والإيهام بالغرق والتهديد بالاعتداء والإذلال، ومبررها نزع اعترافات "لدرء هجمات مشابهة لهجمات مركز التجارة العالمي".

التعذيب يعتبر محرماً قانونياً وشعبياً في الثقافة الإسكندنافية، فهي تضع كرامة الإنسان في مستويات أعلى من أي شيء آخر في دساتيرها، وفي الدنمارك نفسها خبراء دوليون يحاربون آثار التعذيب عبر مؤسسات لعل أشهرها "آر سي تي"، RCT، ورعاية المحافظات مراكز إعادة تأهيل ضحايا التعذيب من اللاجئين، الذين يحملون معهم أعراض ما بعد الصدمات. لكن يبدو أن الصدمة اليوم من هذا التحول، من خلال نتائج دراسة رزينة تقوم بها مؤسسة ذات مصداقية محلية وإقليمية، قد أصابت بالدهشة حتى كبار الباحثين في مؤسسة "ديغنيتي"، كهنريك رونسبو، الذي صرح بأن "هناك تغيراً ملحوظاً في مواقف الشعب وقبوله التعذيب، وهذا أمر يجب أن يؤخذ بشكل جدي".

يبرر الموافقون على التعذيب، وهم يزيدون عن الرقم الذي صدر في 2012 حيث كان واحد من كل خمسة يوافق عليه، باسم "محاربة الإرهاب". وبحسب النتائج الصادرة فإن الرجال بين 35 و49 سنة هم الأكثر قبولا لاستخدام وسائل التعذيب المتعددة لانتزاع اعترافات.

أن يقول ثلث المجتمع إنه يوافق على التعذيب أمر ليس بسيطاً، وبرأي عاملين ومحللين نفسيين في علاج ضحايا التعذيب، كالطبيب النفسي، بيارنه غرامستروب، في قوله لـ"العربي الجديد"، "يبدو أن تلك النتائج تعبر عن خوف وفزع حقيقيين، وهذا شيء محزن ومؤسف أن تصل الحالة إلى ما وصلت إليه. لكن يجب ألّا ننسى أن الأغلبية ما تزال تعارض التعذيب وهذا خبر جيد ضمن الخبر المؤسف في نتيجة الاستطلاع".

النتيجة تعبر في وجهها الآخر عن قناعة "ذكورية" تحديداً بأن "العنف والتعذيب يمكن أن يشكلا حلاً للإرهاب على سبيل المثال"، وفق ما قاله لـ"العربي الجديد"، المحلل النفسي المختص في ضحايا التعذيب، توربن إسبرسن، مضيفًا :"هو أيضاً تعبير عن غياب اليقينية عند الناس، وتأثير الدعاية والإعلام على غياب الأمن الشخصي، بنتيجة الضخ الكبير عبر الشاشات والصحف عن ذلك التهديد وصدور تهديدات علنية ومترجمة عن أن هناك منظمات معينة تهدد باستهداف الشعوب بأن أمنها بيد ما تقرره هي".

يذكر هنا أن هذه الدراسة بدأت بعد هجمات باريس يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني بأسبوع، وصدرت نتائجها السبت عن مؤسسة "ديغنيتي". ويمكن بحسب خبراء في علم النفس أن تعبر تلك الآراء عن رعب وربما آليات دفاع بعد أن أصبحت شعوب كاملة تشعر بالتهديد وقد اقترب منها بشكل غير مسبوق، وكانت كوبنهاغن قد تعرضت لهجوم في فبراير/شباط من العام الحالي.

وبالنسبة لمدير مؤسسة الفكر القانوني، جسيتيتيا ياكوب مكنغاما، فإن تلك النتيجة، "صادمة ومفاجئة بالموافقة على التعذيب، وهو أمر ممنوع قانونياً ودستورياً بشكل لا لبس فيه. هذه النتيجة توضح كيف أن التهديد الإرهابي يمكن أن يدفع بالبشر إلى التخلي عن قيم أساسية بالنسبة إليهم".

خبراء وحقوقيون يقولون إن التعذيب لا فائدة منه، وإذا ما وافق شعب من الشعوب على ممارسته فإن ذلك في النهاية سيضع من يوافق عليه في ذات الدرجة والمستوى مع الجلادين والإرهابيين، الذين يجري انتقادهم ورفض ممارساتهم.