تفجيرات باريس.. جواز سفر سوري

16 نوفمبر 2015
تحريض الأوروبيين المصدومين ضد اللاجئين (فرانس برس)
+ الخط -


يعترف جهاز الموساد الإسرائيلي، بحسب ما تناقلت وكالات أنباء، الجمعة الماضي، بعد سنوات أنه أرسل هؤلاء الرجال والنساء إلى دولة الإمارات العربية لقتل محمد المبحوح.

جوازات سفر من أنحاء الكرة الأرضية استخدمها ذلك العدد من القتلة، نساء ورجال، لاغتيال شخص أعزل في فندق عربي، وبسرعة التقنيات الحديثة اكتشفنا، بل اكتشف من كان لا يصدق أن "دولاً وأجهزتها الأمنية" في خدمة الموساد، وقد ذكر بعض التفاصيل عميل الموساد السابق فيكتور أوستروفيسكي.

طيلة سنوات مرت على اغتيال المبحوح على أيدي أشخاص حملوا جوازات سفر مزورة أو "مسروقة" أو مستخرجة نظامياً، لم توجه صحيفة عربية واحدة، ولا محطة فضائية عربية واحدة، اتهاماً إلى كندا وبريطانيا وأستراليا، والتي حمل القتلة جوازاتها، أو طالبت بمنع حاملي تلك الجوازات من الدخول أو التشدد معهم.

تسقط المهنية الصحافية الغربية في فخها حين تتناقل وبخبث تعودنا عليه: "وجد جواز سفر سوري بجانب جثة انتحاري. وأضيف جواز سفر مصري أيضاً". إشارتان ليستا بتلك البراءة التي أكدها وزير يوناني أن "الجواز يعود لطالب لجوء عبر اليونان".

لم تبق وسيلة إعلام غربية أو شرقية إلا واعتبرت مسألة الجواز السوري، دليلاً على أن "اللاجئين ليسوا لاجئين"، إشارات وتلميحات فيها من الوقاحة، ما دعا صحافي غربي لاستعادة قصة جوازات السفر التي وجدت في برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، حيث احترق كل شيء إلا جوازات السفر.


شخصياً، عايشت هؤلاء اللاجئين بدمي ولحمي، نمت بجانبهم في أماكن تجمعهم، وشاهدت كل أنواع القهر والغضب والانكسار في آن، من قال إنه لا يوجد بينهم من اشترى وثائق سورية "مزورة".
اقرأ أيضاً:تحديد هوية ثلاثة من منفذي هجمات باريس

لكن القصة ليست هي تلك المعروفة، القصة يتم تغييبها أحياناً عن عمد لتعلق الجملة الأخيرة في ذهن مواطن غربي مرعوب مما يبثه له يمين قومي متطرف عن "الغزو الإسلامي" عبر اللاجئين.

القصة في أبعادها الأخرى أفظع من رعب طالبي لجوء ينتشرون في معسكرات الشمال الأوروبي البارد، عدا ألمانيا، حيث تحقق الاستخبارات والشرطة مع بعضهم تحقيقاً تتخلله ممارسة ضغط نفسي للاعتراف بـ "التدريب والسلاح".

لا ريب في أن العمل مدان وتلك بديهية لا تحتاج مناقشة أصلاً، فليس مقبولاً قتل البشر في ملعب كرة قدم ونواد ليلية، وتفجير النفس في جموع شباب وصبايا، بعضهم قد يكون من أشد المتعاطفين مع محنة اللاجئين.

الأجهزة الأمنية، وخصوصاً الاستخبارات في معظم دول الغرب، من السويد حتى الدنمارك وألمانيا وفرنسا، كانت تخبرنا عن أعداد "مواطنين غربيين" انضموا إلى "داعش"، هذا أمر لا مهرب منه الآن، لكن لِمَ الزج بجواز سفر سوري؟ هل يحتاج داعشي غربي، فرنسي أو غيره جواز سفر سوري؟ هل الإشارة المتكررة على مدى يومين كاملين في وسائل الإعلام بريئة؟

ليس في الأمر نظرية مؤامرة، لكن القصة، إن ربطت بالتجييش السابق عن أسباب عدم رغبة اليمين ويمين الوسط الحاكم في بعض الدول عدم استقبال اللاجئين السوريين، فإنها تدفع بسؤال جواز السفر السوري إلى الواجهة دفعاً غير بريء.

هذا بالتأكيد إن وجد حقاً جواز سفر على جثة انتحاري مفترض، وكثيرون يسألون: لماذا سيحمل انتحاري أوراقه الثبوتية مع حزامه الناسف؟  كذلك، لماذا يزج بجواز مصري في القصة؟

بولندا التي ذهبت فوراً إلى الاستخلاص: "لن نستقبل بعد الآن لاجئين سوريين"، تعبر عن القصة كاملة. حركة بيغيدا بفروعها الأوروبية دعت، اليوم الاثنين، لمظاهرات ضد اللاجئين، وهكذا.

أمام هذه الاتهامات، هناك طفل سوري ذات يوم، يظهر يومياً ليقول "لا نريد الذهاب إلى أوروبا. أوقفوا الحرب في بلدنا" ولسان حال مئات آلاف اللاجئين يقول: "أنتم تعالجون الأعراض بينما تتركون السبب".

حالة الرعب الأوروبي تنسحب على المهاجرين واللاجئين، الذين يجدون أنفسهم في كل مرة ترتكب فيها حماقة الجريمة بما لا يفوق ما يمارس بحق السوريين أنفسهم داخل بلدهم. لكنها سياسة وجدت ضالتها هذه المرة. جواز سفر سوري!


المساهمون