يبلغ عدد المواطنين الكويتيين مليوناً و378 ألف نسمة، وفق الإحصائيات الرسمية، غالبيتهم العظمى من المسلمين. ويشكّل المسيحيون فئة صغيرة جداً من المواطنين. من بينهم القس عمانويل غريب، راعي الكنيسة الوطنية الإنجيلية التي تقع في قلب العاصمة. "العربي الجديد" التقت غريب داخل مكتبه في الكنيسة، ليتحدث عن أوضاع مسيحيي البلاد.
- حدثنا عن أقدم وجود مكتشف للمسيحيين في أرض الكويت؟
اكتشف علماء الآثار كنيسة قديمة في جزيرة فيلكا الكويتية تعود آثارها، بحسب تقدير العلماء، إلى القرن السادس الميلادي، وجرى اكتشاف كنيسة شبيهة لها في أبوظبي، فعلماء الآثار يقولون إنّه كانت هناك تجمعات بشرية على امتداد الساحل الخليجي من أبوظبي إلى الكويت. أما الظهور الحديث فكان مع مجيء المبشرين الأميركيين من الكنيسة المصلحة في الولايات المتحدة في أوائل القرن الماضي، وتحديداً عام 1913، فرخّص لهم الشيخ مبارك الصباح، حاكم الكويت (في الفترة 1896 - 1915) لأداء الخدمة الطبية، فبنوا مستوصفاً صغيراً، وابتدأت الخدمة الطبية. كان الكويتيون متخوفين من العلاج عندهم بسبب علاقة المستوصف بالبعثة التبشيرية، إلى أن حلّ عام 1920 ووقعت معركة الجهراء (في الحرب النجدية - الكويتية) فعالج المستوصف 135 مصاباً ولم يمت سوى 4 أشخاص، وكان هذا تقدماً طبياً مذهلاً في ذلك الوقت بالنسبة إلى الكويتيين، بسبب اعتيادهم على الطب الشعبي فقط. وكان هذا هو هدف الشيخ مبارك الصباح من السماح للمبشرين بالعمل في الكويت، وهو الحصول على الخدمات الطبية المتطورة لدى الغرب.
- ماذا عما جرى في أعقاب معركة الجهراء؟
بدأ الكويتيون يتقبلون الوجود الأميركي المسيحي فيها، وبدأوا يعالجون في المستوصف الذي قامت ببنائه الإرسالية. تبرعت عائلتان كويتيان بأرض للإرسالية لتوسعة المستوصف، وتطور العمل مع مجيء بعض المسيحيين من الهند والدول العربية للعمل في المستشفى مع الإرسالية.
- كلّ هذا الحديث متعلق بالإرسالية والمستوصف الذي بنته والخدمات الطبية المقدمة من أفرادها الذين كانوا رجال دين مسيحيين، فماذا عن أول كنيسة بنيت في الكويت؟
كان المسيحيون في الكويت من أفراد الإرسالية والعاملين فيها يقيمون صلاتهم في أحد البيوت المستأجرة في مدينة الكويت يسمى "بيت الربان"، إذ أقيمت أول صلاة باللغة العربية هناك عام 1926، ثم بدأوا بالتفكير في بناء كنيسة لتكون مقراً لصلاتهم، إذ وضع الخطط الهندسية لها قس اسمه إدوين كالفيرلي ثم رحل عام 1929 قبل أن يبنيها، ليأتي قس آخر اسمه جيريت ديونغ ويكمل المهمة، وقد باشر أعمال البناء في 18 مايو/ أيار 1931، وبنيت الكنيسة على الطراز الكويتي بواسطة بنّائين كويتيين مسلمين، وكانت جميع المواد المستخدمة في البناء من البيئة المحيطة، كما هي الحال مع بيوت ومساجد الكويتيين آنذاك، وما زلنا في الكنيسة محافظين على الطراز الكويتي في البناء.
- متى انتهت أعمال البناء وافتتحت الكنيسة؟
انتهت أعمال البناء في العام نفسه، وبالتحديد في منتصف شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 1931، وأقيمت أول صلاة فيها. واحتفلنا عام 2016 بمرور 85 عاماً على بناء أول كنيسة في العصر الحديث في الكويت، وهي الكنيسة الوطنية الإنجيلية التي نحن فيها، وكانت احتفالية حضرها كبار الشخصيات في البلاد.
- ماذا عن الكنائس الأخرى؟
كما أسلفنا، فإنّ الكنيسة التي بُنيت كانت كنيسة صغيرة، لأنها كانت مخصصة لأفراد الإرسالية والعاملين فيها وبقية المقيمين العرب المسيحيين في الكويت، ومع مجيء الطفرة المالية للكويت، واكتشاف النفط، وتوافد العمال إلى مدينة الأحمدي النفطية جنوب البلاد، وبما أنّ كثيراً من الموظفين كانوا من المسيحيين الأميركيين والبريطانيين والهنود والعرب، بنت شركة نفط الكويت كنيستين مسيحيتين هناك، إحداهما كاثوليكية، والأخرى بروتستانتية، بين عامي 1946 و1983. وفي أواخر الخمسينيات بُنيت الكنيسة الكاثوليكية، وبالتحديد عام 1958، وهي المقامة في قلب العاصمة الكويتية، إذ تبرع الشيخ عبد الله السالم الصباح آنذاك بقطعة الأرض، بينما بنى الكاثوليك أنفسهم الكنيسة على نفقتهم الخاصة. وبنى بعد ذلك الأقباط المصريون كنيستهم في منطقة حولي بقطعة أرض منحتها لهم الحكومة الكويتية. أما الكنائس الأخرى مثل الكنيسة الأرمينية وغيرها، فيستأجر أبناؤها بيوتاً ليحولوها إلى كنائس غير رسمية.
- تحدثنا عن تاريخ المسيحية في الكويت، فماذا عن تاريخ المسيحيين هناك؟
المسيحيون الكويتيون ينتمون إلى طوائف عدة، منهم الكاثوليك ومنهم البروتستانت ومنهم الأرثوذكس، إذ هاجروا إلى الكويت من بلدان عدة، هي تركيا وفلسطين وسورية والعراق، في أواخر عشرينيات القرن الماضي، وفي الثلاثينيات والأربعينيات. وبعد صدور قانون الجنسية عام 1959 أعطت الحكومة الكويتية لمن انطبقت عليه الشروط الجنسية الكويتية من دون تمييز عن المسلمين، وهم عائلات معروفة، منها عائلتنا التي جاءت من جنوبي شرق تركيا وهي عائلة غريب، بالإضافة إلى عائلات شماس ونعمان ومنصور، وكذلك عائلة شحيبر التي جاءت من فلسطين في أواخر الأربعينيات بعد النكبة تحديداً، إذ تولّى المرحوم خليل شحيبر مسؤولية في جهاز الشرطة بينما تولى ابن عمه جبرا شحيبر مسؤولية في الجيش. عددنا تقريباً 8 أو 9 عائلات، جميع أفرادها يتحدثون اللغة العربية بلهجات كويتية مختلفة.
- إذاً، كم يبلغ عدد المسيحيين في الكويت؟
يبلغ عدد المسيحيين الذين يحملون الجنسية الكويتية 282 شخصاً فقط، بينما يبلغ عدد المسيحيين المقيمين على أرض الكويت 829 ألف مسيحي تقريباً، ينتمون إلى طوائف وجنسيات مختلفة، غالبيتهم من الجنسيات الفيليبينية والهندية والمصرية.
- ماذا عن المعاملات الشخصية للمسيحيين في الدوائر الكويتية، كالزواج مثلاً؟
الزواج يتم عن طريق الكنيسة أولاً، إذ تباركه، ثم تذهب المعاملة إلى إدارة "توثيق الشركات" في وزارة العدل، حيث حددت الحكومة يومين في الأسبوع، هما الأحد والأربعاء لزواج غير المسلمين. يجري هناك عقد الزواج المصدق من الدولة ومن وزارة العدل، ويكون الشهود عليه مسيحيون. وفي حالة الطلاق، إما يتم التحاكم بحسب قانون الأحوال الشخصية المسيحي (رسمي كويتي)، وإما يختار الزوجان التحاكم بحسب الكنيسة وتعاليم المسيح، ولا تدخل الحكومة الكويتية إذا ما تم اختيار القانون الكنسي. نحن بالطبع نحرّم الطلاق بحسب الكتاب المقدس إلّا في حالات ضيقة، ولدينا مشكلة بسيطة وهي أنّه لا يوجد لدينا مسيحي كويتي متزوج من مسيحية كويتية إلّا في حالة واحدة فقط، أما الباقون فإنهم يفضلون اختيار أزواج أو زوجات من الخارج، وهو عائد من وجهة نظري إلى قلة عددنا في البلاد.
- ماذا عن المناصب التي تولّاها المسيحيون الكويتيون في الحكومة؟
تولّى المسيحيون الكويتيون مناصب مهمة عدة في الحكومة الكويتية، كما هي الحال مع بقية المواطنين من دون تمييز، وكان منهم سفيران في السلك الدبلوماسي، أحدهما السفير سعيد شماس، الذي عيّن سفيراً للكويت في الأمم المتحدة، ثم في الاتحاد السوفييتي، واستمر في العمل الدبلوماسي إلى أن تقاعد. والسفير الثاني كان الدكتور سهيل شحيبر، السفير الكويتي السابق في سويسرا، والذي تقاعد مؤخراً. وكان والده خليل شحيبر وكيلاً مساعداً في وزارة الداخلية وسلك الشرطة. بينما كان ابن عمه جبرا شحيبر مسؤولاً في الجيش الكويتي، ومنهم الدكتور هاني شحيبر، وهو جراح قلب مشهور في الكويت. وهناك ضباط وطيارون حربيون مسيحيون في الكويت، كما عملت أنا شخصياً مسؤولاً في شركة نفط الكويت كما أسلفت سابقاً.
- هل هناك صعوبات تواجه الأقلية المسيحية في الكويت؟
لا، على العكس تماماً، نحن نشعر بأنّنا جزء من النسيج الاجتماعي الكويتي، فالمسلمون يأتون إلينا في أعيادنا ليهنئونا، كما نهنئهم في أعيادهم، وفي شهر رمضان ننظم "غبقة" رمضانية، وهي وجبة عشاء بين الفطور والسحور في شهر رمضان. ونجمع فيها رجال الدين المسيحيين والمسلمين، ومختلف شرائح المجتمع الكويتي. يستقبل الإعلام الكويتي هذه الفعالية بصورة طيبة دائماً، كما يستقبلها المجتمع بسرور بالغ. بالإضافة إلى ذلك، لدينا ديوانية أسبوعية تعقد كلّ سبت، يزورها مختلف أطياف المجتمع الكويتي من جميع المذاهب.
- هل حدثت هجرات مسيحية سابقة من الكويت نحو الدول الأوروبية أو القارة الأميركية، كما هي الحال مع مسيحيي العراق المجاور مثلاً؟
لا أبداً، لم يمرّ المسيحيون الكويتيون بمثل هذه الهجرات. نعيش في أمان هنا ونشعر بأنّنا جزء من المجتمع. هناك بعض الحالات الفردية التي هاجرت لظروفها، مثل إكمال الدراسة أو الزواج، فالكويتيون المسيحيون مرتبطون بأرضهم ووطنهم، خصوصاً أنّنا نمارس شعائر العبادة الخاصة بنا بأريحية، وهناك حماية أمنية مستمرة من جهة الحكومة في حال ظروف أمنية.
- من أين تأتي المبالغ المالية للكنيسة؟
تأتي المبالغ من تبرعات المصلين وأعضاء الكنيسة والمحبين، فنحن نحتاج إلى خدمات النظافة والصيانة ودفع رسوم الكهرباء والماء، وتقدم هذه المبالغ، إما في شكل عطاءات أسبوعية بعد الصلاة، أو عبر استقطاع من أعضاء الكنيسة بنسبة العُشر. لا تقدم الحكومة دعماً مالياً، وهو أمر مفيد لكلّ الأطراف، إذ يؤمن لنا الاستقلالية ويضمن عدم السيطرة على أحد، وهذا ما يحدث مع كنيستنا وبقية الكنائس الموجودة في الكويت.
- ماذا عن الكتب المسيحية؟ كيف يجري إدخالها إلى الكويت وكيف تباع للمسيحيين الكويتيين والمقيمين في البلاد؟
قمنا بتأسيس شركة غير ربحية لبيع الكتب، وهي شركة مرخصة من جانب وزارة الإعلام ولها سلطة جلب مختلف الكتب المتعلقة بالمسيحية، كما تجلب أيضاً مختلف التماثيل والمجسمات المسيحية، ويجري بيع الكتب بسعر مدعوم كأيّ كتاب آخر في الكويت، ولنا مطلق الحرية في البيع.
نبذة
ولد القس عمانويل غريب عام 1950 في الكويت. تخرّج من كلية العلوم في جامعة الكويت، عام 1971، وعمل في وزارة النفط حتى تقاعد عام 1996. بدأ دراسة اللاهوت عام 1986. وفي سبتمبر/ أيلول 1991 رشح من قبل راعي الكنيسة في ذلك الوقت القس حلمي حنين لمنصب مسؤول مالي وإداري فيها، كما رسم عام 1992 في الكنيسة بمسمى "شيخ". ومنذ عام 1999 يخدم قساً وراعياً للكنيسة.