في اليوم المئة من الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة المتواصلة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تُسجَّل حالة من الترقّب الفلسطيني والعالمي لتحقيق العدالة الدولية ومعاقبة إسرائيل على جرائمها.
وقد ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ بداية الحرب، ألفاً و993 مجزرة راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين في غزة، ما بين شهيد وجريح ومفقود، معظمهم من الأطفال والنساء، كذلك خلّفت دماراً هائلاً في المباني والبنى التحتية، وقد صنّف مسؤولون أمميون القطاع بأنّه "غير صالح للسكن".
إلى جانب ذلك، حوّلت الحرب الإسرائيلية مليونَي فلسطيني، من أصل 2.3 مليون يعيشون في قطاع غزة، إلى نازحين لجأوا إمّا إلى مراكز إيواء، وإمّا إلى مخيّمات مستحدثة، وإمّا إلى أقارب لهم. وهؤلاء النازحون بالمجمل يعانون من أوضاع معيشية وصحية وصفتها تقارير دولية بـ"الكارثية"، وسط تخوّفات من انتشار الأمراض والأوبئة في صفوفهم.
وقد دفعت هذه المأساة التي خلّفتها آلة الحرب الإسرائيلية في غزة، وما زالت ماضية في الإمعان أكثر في جريمتها، جنوب أفريقيا إلى رفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تتّهم فيها دولة الاحتلال بارتكاب جرائم إبادة جماعية في القطاع المحاصر والمستهدف.
وقد عقدت محكمة العدل الدولية في لاهاي، يومَي الخميس والجمعة الماضيَين، جلستَي استماع علنيّتَين في إطار بدء النظر في هذه الدعوى. وقد عرضت جنوب أفريقيا في دعوتها، المؤلّفة من 84 صفحة، دلائل على انتهاك إسرائيل، وهي القوة القائمة بالاحتلال، التزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وعلى تورّطها في "ارتكاب أعمال إبادة جماعية ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة".
ومن المقرّر أن تحدّد محكمة العدل الدولية في الأيام المقبلة خطواتها المستقبلية بالدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضدّ إسرائيل. أمّا الأخيرة، ففي معرض ردّها في جلسة الاستماع، رفضت اتهامها بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحقّ الفلسطينيين، وزعمت أنّ ما تقوم به في قطاع غزة "دفاع عن النفس".
ضحايا حرب غزة في أرقام
تفيد البيانات الأخيرة للمكتب الإعلامي في حكومة غزة بأنّ حصيلة الضحايا الفلسطينيين وصلت إلى 23 ألفاً و968 شهيداً و60 ألفاً و582 مصاباً، باستثناء المفقودين الذين لا يمكن تحديد مصيرهم ما بين شهيد وجريح البالغ عددهم أكثر من 7 آلاف، علماً أنّ 70 في المائة منهم أطفال ونساء.
ومن بين إجمالي عدد الشهداء نحو 10 آلاف و400 طفل وكذلك 7 آلاف و100 امرأة، إلى جانب 337 فرداً من الطواقم الطبية و45 عنصراً من جهاز الدفاع المدني و117 صحافياً. كذلك أفادت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بحسب آخر بياناتها، بأنّ 146 من العاملين في إطارها استشهدوا.
إلى جانب الخسائر بالأرواح، خلّفت حرب الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة على قطاع غزة أضراراً كبيرة في المباني والبنى التحتية، ووثّق المكتب الحكومي تعرّض 69 ألفاً و300 وحدة سكنية للهدم الكلي أو أنّها لم تعد صالحة للسكن، بالإضافة إلى تضرّر 290 ألف وحدة سكنية جزئياً.
وأوضح المكتب الحكومي أنّ 30 مستشفى في قطاع غزة و150 مؤسسة صحية و53 مركزاً صحياً خرجت عن الخدمة منذ السابع من أكتوبر الماضي، فيما استُهدفت مباشرة نحو 121 سيارة إسعاف.
أضاف المكتب أنّ 95 مدرسة في القطاع خرجت عن الخدمة بسبب القصف وتضرّرت 295 أخرى جزئياً، فيما تعرّض 145 مسجداً للهدم الكلي و243 مسجداً آخر لأضرار جزئية. ولم تسلم الكنائس من جهتها من القصف الإسرائيلي، وقد وثّق المكتب الحكومي تضرّر 3 كنائس بصورة كبيرة، فيما دُمّر 200 موقع أثري وتراثي.
هذه هي الأوضاع الإنسانية والصحية في غزة
مع استمرار الحرب، انعدمت مقوّمات الحياة، من بينها تلك الخاصة بالصحة، في قطاع غزة، في ظلّ ارتفاع أعداد النازحين ومواصلة إغلاق المعابر وقطع إمدادات المياه والكهرباء والوقود عن القطاع.
ومنذ 100 يوم، إلى جانب النزوح القسري اليومي، شهد قطاع غزة 3 موجات مركّزة من النزوح؛ الأولى من شمال القطاع (محافظتي غزة وشمال غزة) إلى الجنوب، والثانية من شرق مدينة خان يونس (الجنوب) إلى غربها ومدينة رفح (أقصى الجنوب)، والثالثة من المحافظة الوسطى في اتجاه مدينة رفح.
وتتركّز أعداد كبيرة من النازحين في مدينة رفح، وقد أشار رئيس بلديتها أحمد الصوفي إلى أنّ إجمالي الواصلين إلى المدينة منذ بدء الحرب بلغ نحو مليون نسمة، في حين أنّ عدد سكان محافظة رفح الأصلي هو 300 ألف نسمة.
وأفاد الصوفي وكالة الأناضول، في تصريح سابق، بأنّ "البلدية فقدت السيطرة على الخدمات الأساسية، خصوصاً عمليات جمع النفايات ومعالجة مياه الصرف الصحي وتصريفها بسبب موجات النزوح".
كذلك الحال في محافظات الشمال والوسط، حيث أدى نقص الوقود إلى تراجع عمل البلديات في جمع النفايات ومعالجة مياه الصرف الصحي، الأمر الذي أدّى إلى انتشار أمراض وأوبئة بين السكان والنازحين، وخصوصاً الأطفال.
إلى جانب ذلك، فإنّ شحّ المياه الآمنة للشرب أو اللازمة للنظافة تجعل السكان والنازحين غير قادرين على الحفاظ على النظافة اللازمة للوقاية من الأمراض.
جوع في غزة ومخاوف من مجاعة
من جهة أخرى، حذّرت مؤسسات حقوقية ومنظمات إنسانية دولية ووكالات الأمم المتحدة من مجاعة في القطاع، وسط ندرة المواد الغذائية المتوافرة والجوع الذي بدأ يعاني منه سكانه.
وفي الخامس من يناير/ كانون الثاني الجاري، حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من أنّ الأطفال في قطاع غزة يواجهون تهديداً ثلاثياً مميتاً مع "ارتفاع الإصابات بالأمراض وانخفاض التغذية وتصعيد الأعمال العدائية".
أضافت منظمة يونيسف، في بيان، أنّ "آلاف الأطفال قضوا بسبب العنف، في حين تستمرّ ظروف الأطفال المعيشية في التدهور سريعاً، مع تزايد حالات الإسهال وارتفاع الفقر الغذائي بين الأطفال، الأمر الذي يزيد من خطر تصاعد الوفيات بينهم".
وبحسب منظمة يونيسف، فقد ارتفعت حالات الإسهال بين الأطفال دون الخامسة من 48 ألفاً إلى 71 ألفاً في خلال أسبوع واحد فقط بدءاً من 17 ديسمبر الماضي، أي ما يعادل 3 آلاف و200 حالة جديدة يومياً مقارنة بألفَي حالة شهرياً قبل الحرب. وشرحت أنّ "الزيادة الكبيرة في الحالات في مثل هذا الإطار الزمني القصير تُعَدّ مؤشراً قوياً على أنّ صحة الأطفال في القطاع تتدهور بسرعة".
وأعربت منظمة يونيسف عن مخاوفها من جرّاء "الوضع المتدهور في قضية سوء التغذية الحاد والوفيات بصورة تتجاوز عتبات المجاعة".
ويأتي هذا التدهور المرعب، في وقت سجّل فيه قطاع غزة نحو 400 ألف إصابة بأمراض معدية لا تجد الرعاية الطبية اللازمة والأدوية من المستشفيات القليلة التي ما زالت عاملة في القطاع، فتلك المنشآت الصحية تركّز منذ بداية الحرب على استقبال الجرحى والشهداء، مع الإشارة إلى أنّ عدداً كبيراً منها تحوّل إلى مراكز لجوء للنازحين.
ويعاني قطاع غزة من شحّ في الأدوية والمستلزمات الطبية في الصيدليات وكذلك المراكز الصحية العاملة، بسبب إغلاق المعابر وسط الحصار المطبق. فسلطات الاحتلال الإسرائيلي تواصل إغلاق المعابر الواصلة بين غزة والعالم الخارجي، في حين يُصار إلى فتح معبر رفح (الحدودي مع مصر) جزئياً لدخول مساعدات محدودة جداً وخروج عشرات المرضى والمصابين وعدد من حاملي الجوازات الأجنبية.
(الأناضول، العربي الجديد)