هجرة الطيور والتقدم العلمي

11 يناير 2015
يهاجر 50 مليار طير سنوياً من الجنوب إلى الشمال(Getty)
+ الخط -

في العالم نحو 10 آلاف نوع من الطيور، تضم ما يتراوح بين 200 و400 مليار فرد، يهاجر منها نحو 50 ملياراً سنوياً من الجنوب إلى الشمال، حيث تتكاثر، ومن الشمال إلى الجنوب، لتبحث عن الغذاء، مع تغير الفصول والموارد الغذائية، بالانتقال من خطوط عرض إلى أخرى.

خلال هذه العملية الانتقالية، تمكنت الطيور من التواجد في كل مناطق كوكب الأرض، بما في ذلك الأماكن التي نعتبرها قاسية جداً على متطلبات الحياة. والكثير من الدراسات أثبتت أن هجرة الطيور هي في صميم الجينات الوراثية. فالطيور المحبوسة في أقفاص تهتاج في الربيع، وتحاول القفز دوماً باتجاه مسار الهجرة الطبيعي المفترض لها أن تسلكه لو كانت طليقة. إلا أن الكثير من الدراسات أيضاً أثبتت أنّ للطيور القدرة للتخلي عن استراتيجيتها الوراثية إذا ما تطلبت الظروف منها ذلك.

على الرغم من قدرة الطيور على التأقلم، فإنها تصاب بخسائر كبيرة عند هجرتها في الربيع والخريف. فهنالك في الخريف ضعفان إلى ثلاثة أضعاف أعداد الطيور في هجرة الربيع. فبعد أن تزداد أعداد الطيور في أعقاب موسم التفريخ تبدأ بالنقصان، إما خلال موسم الهجرة أو تحت وطأة قساوة الشتاء. ونجد أنّ حوالى نصف العصافير البالغة وثلثي العصافير اليافعة تنفق على الطريق. والجدير بالذكر أنّ الطيور عادة ما تسلك نفس المسار في الهجرتين، باستثناء بعض الأنواع كالصرد الأحمر، الذي يتبع مسار "عروة القميص".

هذه الهجرة أصبحت أكثر استيعاباً وفهماً بعد التطور التكنولوجي الذي أصاب عدة قطاعات كتلك الوراثية والفيسيولوجية والمعلوماتية، وتصغير أجهزة القياس عن بعد، مثل المرشد أرغو اللاسلكي، واستعمال الرادار والنظائر الثابتة التي سمحت بتتبع الطيور أثناء هجرتها على مسافة آلاف الكيلومترات، والدخول إلى خصوصية كل فرد من أفرادها. فتم بذلك معرفة خط الهجرة والزمن المستهلك لقطع مسافة الهجرة ومعرفة زمن وقوعها (ليلاً أم نهاراً) والأماكن التي يرتاح فيها الطائر أو يتجمع مع أقرانه أو يتناول فيها غذاءه أو يبيت فيها. وحديثاً جداً، تمكن العلماء من قياس أثر تغير المناخ على الطيور ودرجة هذا الأثر عليها.

وبالعودة إلى المزيد من الدراسات، فإن أعداد الطيور المهاجرة سواء شمالاً أم جنوباً بدأت بالتناقص التدريجي بمعدل 1% سنوياً، من دون أن يتمكن العلم من معرفة الأسباب الواضحة وراء هذا التناقص. ومع ذلك نجد البعض، خاصة في سويسرا وألمانيا، يتحدث عن تناقص سببه تدهور البيئات في المناطق الاستوائية أو تمدد الصحراء الكبرى الأفريقية.

*اختصاصي في علم الطيور البريّة
دلالات
المساهمون