الفقر والأمراض يفتكان بالمدن العراقية المحررة من "داعش"

13 ديسمبر 2018
الحرب على "داعش" دمرت مدنا عراقية (كريس مكجارث/Getty)
+ الخط -
رغم احتفال الحكومة العراقية، قبل أيام قليلة، بمرور عام كامل على تحرير آخر أراضي العراق من سيطرة تنظيم "داعش"، إلا أن مدن ومناطق شمال البلاد ما زالت تعاني من الفقر والأمراض وأنقاض الحرب التي يُعتقد أن تحتها آلاف الجثث لمدنيين قضوا تحت القصف.

وقال مسؤول عراقي في بغداد لـ"العربي الجديد"، إن "48 مدينة وبلدة عراقية في شمال وغرب العراق، ما زالت ضمن تصنيف المدن المنكوبة الذي اعتمده البرلمان في العام الماضي، أبرزها الموصل والفلوجة والرمادي والقائم والرطبة والحويجة والقيارة والبعاج والشرقاط والرياض وتلعفر وهيت والكرمة ويثرب والتاجي ومدن كثيرة أخرى تعاني حاليا من الأمراض والأوبئة والفقر، بعد خلاصها من احتلال داعش".

وبيّن أن "ملايين الأطنان من الأنقاض والمباني المدمرة والكتل الخرسانية ما زالت في أماكنها، ويعتقد أن تحتها الآلاف من جثث المدنيين المسجلين كمفقودين"، لافتا إلى أن "الحكومة العراقية لم تقم، حتى الآن، بما يمكن اعتباره تحركا حقيقيا ملموسا لإنقاذ المدن، وكل ما يجري هو جهود منظمات دولية ومحلية، ومبادرات للحكومات المحلية يمكن اعتبارها ترقيعا لا أكثر"، عازيا ذلك إلى عدم إقرار الموازنة والخلافات السياسية وحداثة تشكيل الحكومة وإلغاء قرارات اتخذتها الحكومة السابقة.

من جانبه، قال الناشط المدني ظافر الجبوري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المدن المحررة تقبع تحت وطأة الفقر والمرض، وقد خرجت من حرب طاحنة سببت دماراً هائلاً للمؤسسات الصحية والمعامل والمصانع، فضلا عن انتشار جثث المدنيين تحت الأنقاض حتى اليوم، وعجزنا كناشطين عن فعل شيء أمام مئات الجثث التي تحت الأنقاض، ما سبب تفشياً للأمراض الوبائية الخطيرة بين السكان، خاصة الأطفال".

وأضاف أن الفقر يتزايد في المدن المحررة نتيجة عدم تأهيل المصادر الأساسية للمعيشة التي دُمرت خلال الحرب، وبينها مئات المصانع والمعامل والمجمعات التجارية.

وكشف مسؤول بارز في وزارة التخطيط، في وقت سابق، لـ"العربي الجديد"، عن وصول نسبة الفقر في المناطق المحررة إلى نحو 45 في المائة، خاصة في الموصل التي تعرضت للدمار الأكبر من بين باقي المدن المحررة.


وقال الخبير الاقتصادي حذيفة الشمري، إنّه "نتيجة لسيطرة داعش، والحرب عليها في تلك المناطق، دُمرت الأحياء الصناعية والمحال والمجمعات التجارية فيها، والتي كانت توفر مصدر دخل لنحو 80 في المائة من السكان الذين أصبحوا اليوم بلا عمل، وفقدوا مصادر رزقهم".

وأكد الشمري لـ"العربي الجديد"، أنّ "كل ذلك يضاف إليه العدد الهائل للأرامل والأيتام الذين خلفتهم الحرب، والذين لا يملكون أي مصدر دخل سوى ما تقدمه بعض المنظمات الإنسانية والناشطون من دعم محدود، فأصبح الفقر يهدد الأهالي بشكل فعلي، ما دفع الأسر إلى النزوح العكسي، بحثاً عن عمل في مناطق أخرى".

من جهتها، قالت رئيسة منظمة المرأة والطفل، منى المعموري، إنّ "هناك عشرات آلاف الأرامل والأيتام في المدن المحررة أو في مخيمات النزوح، ممن لم يتمكنوا من العودة إلى مناطقهم حتى الآن بسبب الدمار الذي لحق بمنازلهم، أو منعهم من العودة لأسباب أمنية، وهؤلاء يعيشون في أقسى الظروف، ويعتمدون حتى في طعامهم على المساعدات الإنسانية، بينما تفتك الأمراض بهم، ولا يوجد ما يكفيهم من الرعاية الطبية".

وقالت المعموري لـ"العربي الجديد": "توقُّف الأعمال في المدن المحررة رفع نسبة الفقر، ولا نعرف ما يمكننا فعله سوى تقديم بعض الدعم الذي يتبرع به الميسورون، أما الحكومة فتمارس دور المتفرج، فيما تخلت الدول المانحة عن وعودها تماماً".

وقال المتخصص في الأمراض الوبائية، حازم العلي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "آلاف الأطنان من المتفجرات ألقيت على المدن المحررة خلال العمليات العسكرية، وخلفت وراءها آثاراً كيميائية خطرة في التربة والمياه السطحية والجوفية، فضلاً عن المقذوفات التي ما زالت مطمورة تحت الأنقاض وتتحلل ببطء، وهذا يمثل خطراً على حياة السكان. ورصدنا تأثير كل ذلك بعد عام على التحرير بظهور أمراض مختلفة، بينها الجرب والحمى الفيروسية والتيفوئيد والتهاب الكبد الفيروسي والطفح الجلدي وأمراض القلب والشرايين والجلطات الدماغية والقلبية، في ظل عدم وجود أي خطط حكومية لتلافي مسببات تلك الأمراض".

وكانت لجنة الخدمات النيابية كشفت، في أغسطس 2017، عن تدمير نحو 85 في المائة من المنشآت الصحية في المدن المحررة، ما أسفر عن توقفها تماماً عن العمل، وأنها تتطلب مشاريع استثمارية ضخمة لإعادة تأهيلها.

وقال رجل الأعمال ميثم الدليمي، لـ"العربي الجديد": "لم يعد بمقدورنا كرجال أعمال أن نعمل في جو مشحون بالخوف والقلق في المدن المحررة، فالمليشيات تسيطر على مناطقنا، وهناك عمليات ابتزاز مالي من مختلف الجهات، ولذلك فضّلنا الهجرة، حرصاً على أنفسنا وأسرنا وممتلكاتنا".

وأضاف: "اضطر معظم رجال الأعمال إلى نقل رؤوس أموالهم إلى إقليم كردستان، أو إلى خارج البلاد، حيث الاستقرار الأمني، لكن ذلك أثر كثيراً على السكان، إذ إن 90 في المائة من الأعمال توقفت، ما تسبب في ارتفاع نسبة الفقر، لعدم وجود أعمال توفر مصادر دخل يعيشون منها، وهذا تتحمل مسؤوليته الحكومة".

وفي الوقت الذي كان يتطلع فيه سكان المدن المحررة إلى ما تقدمه الدول المانحة لإعادة إعمار مناطقهم بعد وعود قطعتها تلك الدول، لم يطرأ، حتى الآن، أي إجراء يتضمن الشروع في عمليات إعادة الإعمار، بعد تخلّي تلك الدول عن وعودها، في وقت تتذرّع فيه الحكومة العراقية بالمبالغ المالية الكبيرة التي يتطلّبها الإعمار.

ولم تخصص الحكومة اعتمادات كافية للمدن المحررة حتى الآن، ولم تضع خططاً للشروع في إعادة تأهيلها، فيما لم تفِ الدول المانحة بوعودها، ولم تخصص أي أموال لتلك المدن.