أعلنت منظمات حقوقية مصرية، من بينها الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، وفاة السجين السياسي جهاد عبد الغني بعد معاناة مع مرض السرطان وإهمال في رعايته الطبية. وأشارت أنّ آخر أمنيات عبد الغني، نقلاً عن رفاقه في الزنزانة ومحاميه، قبل نحو أسبوع، أن يموت خارج السجن بين ابنه وابنته.
وتنصّ المادة 18 من الدستور المصري الصادر في عام 2014 على أنّ "لكلّ مواطن الحقّ في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة… ويُجرَّم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكلّ إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة". كذلك تنصّ المادة 55 من الدستور على أنّ "كلّ من يُقبَض عليه أو يُحبَس أو تُقيَّد حريّته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه ولا إيذاؤه بدنيّاً أو معنويّاً، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيّاً وصحيّاً". تضيف المادة 56 منه أنّ "السجن دار إصلاح وتأهيل"، موضحة "تخضع السجون للإشراف القضائي ويحظر فيها كلّ ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرّض صحته للخطر".
وجهاد عبد الغني سليم البالغ من العمر 33 عاماً، قبل وفاته، من مركز أبو كبير في محافظة الشرقية، وهو كان مصاباً بسرطان الفكّ والحلق، وتفاقمت إصابته لتبلغ جزءاً من رأسه، الأمر الذي هدّد حياته. وهو كان محتجزاً في المركز الطبي بسجن بدر للإصلاح والتأهيل. وقد أرسل استغاثات عدّة من محبسه بعدما فقد الأمل في الشفاء، نظراً إلى تدهور حالته الصحية بشكل سريع، بعد إحالته قبل أربعة أيام إلى قسم الرعاية المركزة في المركز الطبي التابع لمركز بدر للإصلاح والتأهيل.
وعلى الرغم من المناشدات السابقة والمطالبات المتكررة بضرورة إحالة عبد الغني إلى أحد مستشفيات الأورام المتخصصة لإخضاعه إلى عملية جراحية، أملاً بإنقاذ حياته، فإنّ طلباتهم المتكرّرة قوبلت بالرفض والتجاهل وبمزيد من التعنّت أمام الاستغاثات المتواصلة. وعبد الغني كان متزوّجاً وله ابن يُدعى سيف (تسعة أعوام) وابنة تُدعى حبيبة (14 عاماً).
وفي واحدة من استغاثاته التي نشرتها الشبكة المصرية، كتب عبد الغني: "ساعدوني لوجه الله تعالى.. هذا نداء استغاثة إلى أيّ قلب رحيم في هذا البلد. فأنا اسمي جهاد عبد الغني محمد سليم، أعاني من مرض سرطان منذ أكثر من سنة ونصف، وأنا في السجن. كان الورم في البداية عبارة عن ورم صغير في اللسان وقد انتشر وأصبح الآن في كلّ لساني وفمي ورقبتي ورأسي. أنا الآن لا أستطيع الكلام ولا الأكل ولا شرب المياه. الآن الورم يقفل البلعوم، فلا أستطيع التنفّس ولا البلع ولا السماع. أنا أطلب الرحمة في زمن قلّت فيه الرحمة".
أضاف عبد الغني في استغاثته تلك أنّه يدعو الله أن يتوفّاه، موضحاً "فما عدت أستطيع تحمّل الألم. لقد قمت بأخذ أربع جرعات كيماوي (علاج كيميائي) وتمّ تحديد عملية جراحية لي قبل أكثر من ثلاثة شهور، وحتى الآن لم يتمّ تحديد موعد العملية". وأكّد عبد الغني أنّ "السرطان ينتشر والألم يقتلني. وقد امتنعت هذه المستشفيات ثلاث مرّات عن العملية، في معهد الأورام والقصر العيني ومعهد ناصر"، متسائلاً: "لم تركوني؟ إن كانوا لا يعالجونني فليقتلوني. فأنا أنتظر الموت كلّ يوم.. ارحموني لوجه الله". وتابع عبد الغني: "فإذا كان في هذا البلد أناس فيهم رحمة، فليساعدني الله. لا أريد إلا إجراء العملية الجراحية.. لا أريد أن أموت هكذا".
وتتزايد الوفيات في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة في مصر. وقد رصدت منظمات حقوقية وفاة خمسة مواطنين محتجزين في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022. وبحسب ما تفيد البيانات ذات الصلة لعام 2022، فقد توفي مواطنان محتجزان في السجون ومقار الاحتجاز الرسمية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وأربعة آخرون في سبتمبر/ أيلول الماضي، وستة في أغسطس/ آب الماضي، وسبعة في يوليو/ تموز الماضي. كذلك توفي مواطن واحد هو إبراهيم سليمان عيد، من محافظة شمال سيناء، في سجن المنيا، في الثامن من يونيو/ حزيران الماضي. وفي مايو/ أيار الماضي، توفي ستة مواطنين في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة، وثلاثة آخرون في إبريل/ نيسان الماضي، وثلاثة في فبراير/ شباط الماضي، ومواطنان في يناير/ كانون الثاني.
وفي عام 2021 الماضي، تُوفي 60 مواطناً محتجزاً في السجون المصرية، بحسب ما وثقت منظمة "نحن نسجّل" في إحصائيتها السنوية، مقسّمين إلى 52 ضحية من السجناء السياسيين وثمانية جنائيين، من بينهم ستّة أطفال.
وتؤكّد منظمات مجتمع مدني محلية ودولية أنّ الإهمال الطبي في السجون ومقار الاحتجاز يُعَدّ ترسيخاً لسياسة القتل البطيء التي تنتهجها السلطات المصرية تجاه خصومها، وذلك على الرغم من حملاتها الإعلامية وتأكيدها المستمرّ لاحترام حقوق المحتجزين المختلفة في أماكن الاحتجاز المختلفة، وفي مقدّمتها الحقّ في تقديم الرعاية الصحية الملائمة، وهو الحقّ الذي يُنتهَك منهجياً، خصوصاً في داخل السجون ذات الحراسة المشدّدة، في ظلّ سياسة تعتيم تفاقمت مع انتشار فيروس كورونا.