هل هو الزيف الحضاري؟

08 ديسمبر 2020
شهد السودان أمطاراً غزيرة في سبتمبر الماضي (محمود حجاج/ فرانس برس)
+ الخط -

من قال إن أسلافنا لم يكونوا على دراية كافية ببيئتهم؟
جاهلٌ من يفسر انتشار الأمراض البيئية الآن على عكس ما كان سابقاً، بزيادة عدد السكان وغياب العلم والمعرفة. كان الأسلاف يعرفون الأمراض ويستخرجون من بيئتهم الأدوية، ويبرعون في الاستخدام المستدام لمواردهم، ويحافظون على صحتهم وفقاً لمعارفهم التقليدية التي يحاول البعض ركلها والإتيان بمعارف جديدة في كافة المجالات.
تتعاقب علينا فصول السنة عبر موجات من الأوبئة (المعتادة)، ونظل نشكو منها ومن ضعف قدراتنا على تجاوزها. نودع الصيف لنستقبل الخريف، ونعبر إلى الشتاء من دون الوقوف عند متعة فصل الربيع، وخصوصاً هنا في شمال ووسط السودان. ندرك دخول كل فصل من خلال الحالات المسجلة في المستشفيات ما بين حميات الخريف، والتهابات الشتاء والصيف. غير أننا نظل نرى في الشتاء الفصل الأفضل مع قصر فصل الربيع.
ويحمل خريفنا من الكوارث على سكان الحضر أكثر مما يحمل من النعم على الريفيين، إذ لا يعني مع ضعف البنيات التحتية إلا غرق المدن والقرى، وجرف التربة، وتفاقم الأوبئة والأمراض. كما أن صيفنا طويل وحار وجاف باستثناء ساحل البحر الأحمر والمناطق الجنوبية حيث بعض الرطوبة.
في الآونة الأخيرة، بدأ المزارعون والرعاة يشكون بسبب قلة الأمطار وعدم انتظام الهطول. ويعزو الخبراء الأمر إلى التغيرات المناخية، أو أنها دورات تعاقب الجفاف التي يتحدثون عنها. بيد أن للإنسان وتدخلاته ووعيه وإدراكه الأثر الأكبر في كل هذا. فقد أشار أحد كبار قريتنا إلى أن الهجوم الكبير على الغابات أثر سلباً على كميات الأمطار، وأننا هددنا المراعي بما نقترفه من رعي جائر، وتدخل سلبي في عطائها الطبيعي، وأنه في اتجاهنا للتوسع الزراعي على حساب الغابات والمراعي أثره في توزيع المطر وكمياته.
وما يدهش أن القرويين باتوا يحاكون سكان المدن حتى في التخلي عن الطيور والحيوانات الأليفة، وما يكمل ذلك النظام البيئي الدقيق من إعادة تدوير النفايات، ومنح من مخلفاتها ما يتم استخدامه في تخصيب التربة، سواء من خلال الاستخدام البشري المباشر، أو من خلال تحليل الحشرات والأحياء الدقيقة لتلك المخلفات، وتحويلها إلى غذاء للنباتات، بالإضافة إلى استخدام الريفيين مخلفات الحيوانات في مبانيهم، والتي باتت في الكثير من المناطق الريفية تشبه بيوت المدن، بما يتعارض مع معطيات البيئات المحلية.

موقف
التحديثات الحية

وهكذا هو الإنسان الذي يظن أن الحضارة هي تقليد الآخرين في كل شيء، بينما الحضارة هي نظام اجتماعي يعين الإنسان على كسب عيشه بشكل مستدام، وتطوير ما حوله من موارد اقتصادية، ونظم سياسية، وتقاليد وعلوم وفنون، ومن أسباب الرفاه. فأي هذه العناصر فرطنا فيه.. وبتنا نستحق أن نوصف حياتنا بالزيف الحضاري؟
(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون