هل تغلب السودانيون على كورونا؟

14 أكتوبر 2020
وقاية وجدارية توعوية في الخرطوم (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

يحقق السودان منذ أسابيع مؤشرات جيدة في تدني الإصابات بكورونا، مع تناقص أعداد المتوفين بالفيروس إلى حدود الصفر، ما يبشر بانحساره في بلد يعاني من نظام صحي متهالك. فهل تغلبت البلاد فعلاً على الوباء وكيف؟

ظهرت أول إصابة بفيروس كورونا الجديد في السودان في 12 مارس/ آذارالماضي، لمواطن جاء من الإمارات المتحدة، وارتفع عدد الإصابات في نهاية الشهر نفسه إلى سبع ضمت وفاتين. وأصيب السودانيون بحالة من القلق والتشاؤم بعد بدء تفشي جائحة كورونا، نتيجة لعدم ثقتهم بنظامهم الصحي، وتدهور أوضاع المستشفيات وضعف إمكاناتها على صعيد الأجهزة الطبية، وقلة أعداد الكوادر المدربة والمتخصصة، بالإضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي وشحّ موارد الدولة، مع التخوّف من عدم إمكانية بقاء ذوي الدخل المحدود والعاملين في القطاع غير المنظم في منازلهم لحاجتهم إلى العمل اليومي في ظلّ أوضاع معيشية ضاغطة في البلاد، وضعف قدرة الدولة على توفير إعانة لهم.

في إبريل/ نيسان الماضي، وصل عدد الإصابات إلى 533، بواقع 526 خلال ذلك الشهر، بينما جرى تسجيل 34 وفاة جديدة، وحقق مايو/ أيار الماضي رقماً كبيراً، إذ سجل 4640 إصابة جديدة و568 وفاة، وهما رقمان لم يتكررا في الأشهر اللاحقة. وكان السودان قد أغلق في وقت مبكر حدوده الدولية وفرض حظراً للتجول في معظم المدن الكبرى، خصوصاً الخرطوم، وأغلق المدارس والجامعات والأسواق ومؤسسات العمل ودور العبادة، ومنع التنقل بين الولايات، وأعلن حالة طوارئ صحية في البلاد. لكن، في يونيو/ حزيران الماضي بدأ المؤشر في الانحدار عكسياً بانخفاض عدد الإصابات، فقد رُصدت 4490 إصابة جديدة فيه، و306 وفيات، وفي يوليو/ تموز الماضي، سُجلت 2075 إصابة جديدة، و148 وفاة، وفي أغسطس/ آب الماضي، سُجلت 1966 إصابة جديدة، و80 وفاة، ليصل مجمل الإصابات في نهاية الشهر إلى 13.704، والوفيات إلى 832.
ومع بدايات سبتمبر، تصاعدت المؤشرات الإيجابية بشكل لافت، فخلال الفترة من 5 سبتمبر/ أيلول الماضي حتى 4 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري لم تسجل البلاد سوى 261 إصابة جديدة، وهو رقم كان من الطبيعي تسجيله بالحصيلة اليومية الواحدة، في الفترة من مايو حتى أغسطس. ومنذ انتهى أغسطس بإجمالي وفيات بلغ 832، حتى العاشر من أكتوبر الجاري، لم تُرصد إلّا 4 وفيات فقط، مقابل 88 سجلت في أغسطس وحده، و148 في يوليو. ومن المفيد الإشارة إلى أنّ آخر وفاة كانت في 11 سبتمبر/ أيلول الماضي، ليقضي السودان أكثر من 30 يوماً بسجل خالٍ تماماً من الوفيات. وبالنسبة لأعداد الإصابات اليومية في سبتمبر، وبداية أكتوبر، فإنّ أعلى رقم كان 27 إصابة يوم 28 سبتمبر، فيما كان الثاني والعشرون من سبتمبر مميزاً، إذ لم تسجل البلاد أيّ إصابة جديدة لأول مرة منذ تفشي الفيروس فيها. ومنذ بداية أكتوبر الجاري حتى العاشر منه، وطبقاً لتقارير وزارة الصحة التي اطلعت عليها "العربي الجديد"’، لم يسجل السودان سوى 32 إصابة جديدة، من دون تسجيل أيّ وفاة.
ومع هذه النتائج الإيجابية المتدرجة، رفع السودان منذ الشهر الماضي كلّ القيود الخاصة بمكافحة الفيروس، إذ سمح للجامعات والمدارس باستئناف الدراسة، كما فتح دور العبادة والمؤسسات قبل ذلك بكثير، وأتاح التنقل البري والجوي داخل السودان، وألغى أوامر حظر التجول الكلي والجزئي بولاية الخرطوم والمدن الأخرى، وأخيراً فتح مجاله الجوي والبحري والبري.
إذاً، كيف وصل السودان والسودانيون إلى تلك النتائج التي جاءت بخلاف التوقعات مع بداية تفشي جائحة كورونا في البلاد؟
يرى الدكتور محمد نقد الله، عضو لجنة أطباء السودان، ومدير مستشفى "التميز" بالخرطوم، أنّ عوامل عدة ساهمت في احتواء فيروس كورونا وتقليل عدد الإصابات والوفيات، من بينها القيود الصحية التي أعلنتها السلطات منذ التفشي، والتي يقول إنّها لعبت دوراً محورياً بالرغم من الأخطاء التي صاحبتها. يضيف نقد الله لـ"العربي الجديد" أنّ هناك عوامل أخرى ساعدت في الاحتواء حتى وإن لم تُثبت عبر الدراسات، منها جينات السودانيين التي تمتلك قدرة أكبر على مقاومة الأمراض شأنها شأن كلّ الجينات الأفريقية. ويلفت في هذا الصدد إلى أنّ نسبة الإصابة في عموم أفريقيا أقل بكثير من أوروبا وآسيا والأميركتين. تضاف إلى هذه العوامل نسبة الشباب في المجتمع السوداني التي تفوق المسنين وهم الأكثر تأثراً بالمرض. يتابع أنّ قدرة المؤسسات والكوادر الصحية على التعلم والتطور ساهمت إلى حدّ كبير في التعامل السريع مع أيّ تطورات بتغيير الخطط والسياسات، مشيراً إلى أنّ الأخطاء التي حدثت في التعاطي مع المرض يمكن تجاوزها في المستقبل بتوسيع نطاق مراكز العزل وتقليل الكلفة المالية. ويحذر نقد الله من استباق الأحداث وإصدار تقييم مبكر بزوال الجائحة، بل الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي خففت كلّ القيود لكنّها سريعاً ما تراجعت عن القرار بظهور موجة جديدة من الفيروس، ولا يستبعد أن يشهد السودان موجة جديدة خلال الأسابيع المقبلة، جازماً بأنّ التعامل معها سيكون مختلفاً كلياً عن المرات السابقة بالاتعاظ من تلك التجارب. 

بدورها، تقول الخبيرة في مجال الأوبئة، الدكتورة سهام جابر، إنّ ارتفاع الوعي الصحي وسط المواطنين، خلال الأشهر الأخيرة، شكّل عاملاً مهماً لتدني نسب الإصابة بكورونا في السودان، لا سيما أنّ الجميع لم يكن يدرك لحداثة الوباء ماهيته وطرق الوقاية منه. توضح جابر لـ"العربي الجديد" أنّ واحداً من مظاهر الوعي كمفتاح للمواجهة، الإقبال الكثيف على الفحص، خصوصاً في المطارات. وتحذر أيضاً من موجة ثانية للفيروس في كلّ العالم، طبقاً لما جاء في تقارير منظمة الصحة العالمية، مشيرة إلى ضرورة التطبيق الصارم للتدابير وتبني السلوكيات الصحية حال ظهورموجة جديدة ما قد يخفف الأضرار، ويحدّ من انتشار الجائحة. كذلك، تدعو جابر إلى تلافي خطأ إغلاق المستشفيات الذي حدث قبل أشهر، ما أدى إلى تضرر مرضى آخرين، خصوصاً المصابين بالأمراض المزمنة، مثل الضغط والسكري والسرطان، مشددة على فتح كلّ المؤسسات ابتداء من مراكز الرعاية الأولية والمراكز الثانوية والمستشفيات لتعمل بكامل طاقتها في تقديم الخدمات.

المساهمون