قبيل الإعلان عن تفشي "أوميكرون"، المتحور الجديد من فيروس كورونا الذي ظهر أولاً في دولة جنوب أفريقيا، كانت منظمة الصحة العالمية تحذّر من أن قارة أوروبا ستواجه فصل شتاء شديد القسوة، وأن أعداد ضحايا الجائحة الجدد قد تصل إلى 700 ألف وفاة.
مع الكشف عن انتقال العدوى إلى أوروبا، بداية من بلجيكا، ثم اكتشاف السلطات الهولندية، أمس الأول الجمعة، نحو 62 مصاباً من بين 600 راكب وصلوا على متن رحلتين من جنوب أفريقيا، انتشر الذعر بين الأوروبيين، وقررت السلطات حظر السفر من وإلى جنوب أفريقيا، وست من الدول المجاورة لها، وهي بوتسوانا، وزيمبابوي، وموزامبيق، وناميبيا، وسواتيني، وليسوتو.
لاحقاً، اكتشفت إصابات بالمتحور الجديد في كل من جمهورية التشيك، وألمانيا، ودول أوروبية أخرى، مما اضطر بعض الدول إلى إعلان ما يشبه الطوارئ الصحية، وجرى ذلك في ظل معاناة بعض الدول، كالنمسا وإيطاليا، من وتيرة تلقيح بطيئة، وبالتزامن مع زيادة الشكوك حول نجاعة اللقاحات في الوقاية من المتحورات الجديدة للفيروس، خصوصاً "أوميكرون" الذي أعلنت شركة "موديرنا" الأميركية أنها تعمل على لقاح خاص بعد اكتشافه.
وقررت دول في الشمال الأوروبي، كالدنمارك والسويد، أمس السبت، وقف استقبال الرحلات القادمة من دول جنوب القارة الأفريقية، والدول غير القادرة على القيام بفحوص لكشف المتحور الجديد، كما فرضت حجراً صحياً لمدة 10 أيام على القادمين من دول جنوب قارة أفريقيا.
وتوقفت شركات طيران مختلفة، عن نقل الركاب إلى دول أوروبا من المناطق التي يعتقد أنها بؤرة المتحور الجديد، وطالبت دول أوروبية عدة مواطنيها في الدول المتأثرة بـ"أوميكرون" بالعودة سريعاً، على غرار ما حدث في ربيع 2020 مع بداية انتشار جائحة كورونا.
كيف تصنف خطورة المتحور أوميكرون؟
وأعلنت مفوضية الصحة الأوروبية أن خطر انتشار المتحور الجديد لفيروس كورونا في أوروبا "مرتفع أو مرتفع جداً".
وحثت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، الدول الأعضاء في الاتحاد، على تعليق الرحلات الجوية من الدول التي يرجح أنها مصدر المتحور الجديد، في حين تصارع القارة العجوز للشتاء الثاني على التوالي تداعيات الجائحة، وبينما لم يتم إقرار تشديد القيود بعد، إلا أن دولا مختلفة تستعد لانتهاج سياسات أكثر تشدداً، بما في ذلك العودة إلى الإغلاق الشاملة أو الجزئي.
وكشف المركز الأوروبي للوقاية من الأوبئة ومكافحتها (ECDC)، مساء الخميس، عن أولى الإصابات في بروكسل، ليثير انتباه السلطات والمفوضية الأوروبية حول ضرورة المسارعة إلى إجراءات جديدة، وعدم انتظار ما سيصدر عن الدول التي اكتشف فيها المتحور.
وتشير الدراسات المبكرة إلى أنّ معدل تكاثر المتحور الجديد يبلغ 2، ما يعني أنّ كل شخص مصاب به من المحتمل أن ينقله إلى شخصين آخرين، كما أنه يحتوي على عدد كبير من الطفرات التي تجعله أكثر نشراً للعدوى، وتساعده على تجنب الاستجابات المناعية.
ويهدد المتحور الجديد "أوميكرون" بزيادة أعداد الوفيات العالمية بسبب سرعة انتشاره، خصوصا في أوروبا، ويحذّر البعض من التساهل في التعامل مع المتحور الجديد، وإنه إذا كانت بلجيكا سجلت مصاباً واحداً، فإن الوضع قد يتطور بسرعة على غرار ما جرى في إيطاليا خلال مارس/آذار 2020، والذي تم التعامل معه بنوع من عدم الجدية، قبل أن يتحول إلى مشهد مفزع مليء بجثث المتوفين، والتي تدخل الجيش لنقلها من أجل دفنها.
ويؤكد هؤلاء الذين يقرعون جرس الإنذار أنهم لا يهدفون إلى بث الذعر بين سكان الكوكب، بل لتوعية المتقاعسين بمدى خطورة الوباء، وضرورة الإجراءات الوقائية التي تراخت الكثير من المجتمعات في تطبيقها مؤخراً، فضلاً عن إثارة المشكلة العالمية الأخطر، والمتعلقة بالفرز بين دول ثرية قادرة على تلقيح أعداد كبيرة من مواطنيها، ودول أقل ثراء وتنظيماً لا تزال تتأرجح بين التساهل مع الجائحة، وإنكار بعض أفرادها لوجودها، وإنكار آخرين لفعالية اللقاحات، فضلاً عن عجز الأنظمة الصحية فيها عن التعامل مع انتشار الوباء.
وشهد أكثر من بلد أوروبي تزايد أعداد المصابين خلال الشهر الأخير، على الرغم من نسب التلقيح الواسعة، بينما تناقش كثير من السلطات الصحية العودة إلى فرض ارتداء الكمامات قبيل أعياد الميلاد التي تشهد تزاحماً، والعودة إلى قيود التباعد الاجتماعي.
وحاولت دول الاتحاد الأوروبي الترويج إلى أن زيادة أعداد الملقحين ستكون العامل الحاسم في تخفيف القيود لتشجيع المزيد من الأشخاص على التطعيم، لكن تلك الدول تجد نفسها مجدداً مضطرة إلى التراجع عن قرارات تخفيف القيود، كما تلجأ بعضها إلى فرض الجرعة المعززة من اللقاح، وتطعيم الأطفال.
ويأتي كل ذلك وسط سجال واسع حول ضرورة إعطاء الجرعة المعززة من اللقاح، خصوصاً بعد أن تزايدت الإصابات والوفيات مجدداً، ما يعني أن الجرعتين السابقتين لم تحققا الهدف المطلوب بوقاية الملقحين من الإصابة، أو من مخاطر ما بعد الإصابة.
وكشفت السلطات الصحية في جنوب أفريقيا عن المتحور الجديد "أوميكرون"، خلال الأسبوع الماضي، بعد تسارع أعداد الإصابات في البلاد، خصوصاً في المناطق الأكثر اكتظاظاً، مثل بريتوريا، وجوهانسبورغ. وأسفت وزارة الصحة في جنوب أفريقيا لردود الفعل في أوروبا، ووصفتها بأنها "حالة ذعر مبنية على نوع من عدم اليقين"، وقال وزير الصحة، جوزيف بهلا، إن "أوروبا تخشى فعلياً من أن لا تكون مستعدة، كما كان حال إيطاليا وإسبانيا اللتين ضربهما فيروس كورونا بعنف في بدايات 2020".
ويعيد اكتشاف إصابة مسافرين غير ملقحين بالمتحور الجديد إلى الواجهة ما حذرت منه منظمة الصحة العالمية مراراً حول انتهاج الدول الغنية لسياسة الأنانية في الاستحواذ على اللقاح، فبينما انتهت بعض الدول الغنية من تلقيح النسبة الأكبر من شعوبها، لا تزال كثير من الدول الفقيرة غير قادرة على الوصول إلى اللقاحات لتشكيل مناعة مجتمعية، رغم أنه يتأكد مجدداً أن ذلك ينعكس على الحالة الوبائية العالمية.
واستبدل الكشف عن المتحور "أوميكرون" حالة التفاؤل بالسيطرة على الفيروس التي كانت تسري بين الباحثين والعلماء حول العالم، بحالة من القلق من قدرة كورونا على تطوير طفرات جديدة شديدة العدوى، أو لها آثار صحية خطرة.
وعبّر رئيس مركز الاستجابة الوبائية والابتكار في جنوب أفريقيا، توليو دي أوليفيرا، عن مخاوفه تلك قائلاً، إنه والباحثين العاملين معه فاجأهم ذلك المتحور "لأنه حقق قفزة في التطور، ولديه العديد من الطفرات، وخطير أكثر مما كنا نتوقع". ويشعر الباحثون بقلق بالغ بسبب ما يسمى "بروتين الظفر" في المتحور الجديد، والذي يضم نحو 30 طفرة، مع انعدام اليقين حول قدرة اللقاح الحالي على كبح تداعيات المتحور الجديد.
وعبرت منظمة الصحة العالمية عن قلقها من المتحور الجديد، والتي يعتقد أنه سريع الانتشار، وبينما لا توجد بعد أية دراسات أو إحصائيات يمكنها التنبؤ بمخاطره أو تأثيراته، فإن التداعيات انعكست سريعاً على المشهد العالمي، خصوصاً في قطاعات السفر والسياحة، وبأسلوب يشبه كثيراً ما حدث عند بداية الكشف عن فيروس كورونا، ويخشى كثيرون من أن يؤثر "أوميكرون" على الاقتصاد والتجارة العالمية التي لم تتعاف بعد من التأثيرات السابقة.
ويتوقع أن تؤدي أية إجراءات إغلاق جديدة إلى نكسة أكبر في بعض المجتمعات، وإلى انهيار في الأوضاع المالية والاقتصادية للمواطنين، خصوصاً الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
وفي السياق، أعلنت منظمة التجارة العالمية، السبت، تأجيل أول اجتماع وزاري لها، كان مقرراً يوم الجمعة المقبل، في جنيف، بعد تشديد القيود على السفر إلى سويسرا، وهو اجتماع لم يعقد منذ 4 سنوات.