يُعَد كبار السنّ من الفئات الأكثر عرضة للتأثّر بفيروس كورونا ومضاعفاته، لذا يضطرون إلى الالتزام بإجراءات معيّنة حرمت كثيرين من عاداتهم. وهذه هي الحال المسنّين في تونس كما في سواها في ظلّ أزمة كورونا.
يأمل علي الرزقي أن تنفرج الأزمة الصحية في تونس حتى يتمكّن من جديد من زيارة الأماكن التي حُرم منها منذ أشهر على خلفية تفشيّ فيروس كورونا الجديد. فالتونسي السبعيني اعتاد زيارة حديقة البساج في وسط العاصمة والتجوّل في شارع بورقيبة ومحطة القطار في برشلونة تونس، غير أنّ الوباء المنتشر أجبره على التخلي عن عادات كثيرة كانت تجنّبه الروتين اليومي. يُذكر أنّ الرزقي الذي يعاني ارتفاعاً في ضغط الدم، يخشى "الإصابة بالفيروس اللعين" بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد"، فجسده النحيل قد لا يحتمل مرض كوفيد-19 ولا مضاعفاته. والرزقي لم يعد يطيل جولاته خارج المنزل، بعدما حُرم من تفاصيل محبّبة في يومياته، من قبيل الجلوس في المقهى واحتساء قهوة الصباح مثلما جرت العادة لسنوات طويلة. واليوم، يجد نفسه مجبراً على حمل قهوته من المقهى واحتسائها بمفرده، مؤكداً أنّه يحرص على وضع الكمامة وتفادي التجمعات، ويكتفي في أحيان كثيرة بالمشي قليلاً في حيّه قبل العودة سريعا إلى بيته.
بدوره، يحرص حسن درغوث البالغ من العمر 91 عاماً على السير في الشارع وحده، بعيداً عن التجمعات. ويبدو في صحة جيّدة، إذ لا يستند إلى أيّ عصا كبقية أبناء جيله. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه ليس خائفاً من الإصابة بفيروس كورونا، "فالجيل القديم اكتسب مناعة ضد الفيروسات، وسنتمكّن من مواجهة الأمراض". ويؤكد درغوث أنّ مواليد الثلاثينيات، أو "الجيل القديم" كما يسمّيه، يتمتّعون بصحة جيدة مقارنة بشباب اليوم، موضحاً أنّه يحافظ على صحته فلا يدخّن ولا يسهر كثيراً ويتجنب الجلوس في المقاهي تفاديا للعدوى. ويرى درغوث أنّ "طريقة العيش والطعام التقليدي، خصوصاً في فترة الشباب، يؤثّران على الإنسان عند الكبر، بالتالي قد تتكوّن لديه مناعة طبيعية وحماية خاصة تجنّبه الأمراض. لكن مع ذلك، لا بدّ من الاحتياط". لذا قلّص خروجه إلى الشارع وصار يختار أوقاتاً معيّنة ليمشي قليلاً، لا سيّما قبيل المغيب ثمّ العودة سريعاً إلى البيت. ولا ينكر درغوث أنّ نسق الحياة اليوم تغيّر مقارنة بما كانت الأوضاع عليه قبل كورونا، لافتاً إلى أنّ زوجته تبلغ من العمر75 عاماً وهو يخشى عليها من كورونا، لذلك يتولى جلب حاجياتها بنفسه.
من جهته، يرى الستيني كمال بن موسى أنّ انتشار الفيروس يخيف كبار السنّ وكذلك أبناءهم الذين يعيشون في قلق مستمر على آبائهم، خصوصاً في ظل ارتفاع عدد الوفيات، بالتالي لا بدّ من التباعد الجسدي وغسل اليدين ووضع الكمامات. ولا يخفي على "العربي الجديد" أنّ تحركاته صارت تقتصر على حيّه، فلم يعد يتنقل كما كان يفعل في السابق ولا يغادر محافظته. وفي حال فعل ذلك، يكون الأمر متعلقاً بقضاء بعض الشؤون العاجلة، فيما يحاول الاحتياط قدر الإمكان.
وفي الإطار نفسه، تخبر إيمان "العربي الجديد" أنّها تتابع كل أخبار مستجدات الفيروس، لا سيّما أنّها تخاف على والدتها المسنّة البالغة من العمر 76 عاماً. وتشير إلى أنّ أشقاءها قلّصوا زيارات والدتهم خشية عليها من العدوى، مضيفة أنّها تنصحها بعدم المجازفة والخروج مع أخذ الاحتياطات اللازمة. وتوضح إيمان أنّ "والدتي لم تعد تخرج من المنزل إلا نادراً، كذلك قلّت الزيارات التي تتلقّاها"، آملة انتهاء الكابوس وعودة الحياة إلى نسقها الطبيعي.
أمّا مطيرة البالغة من العمر 103 أعوام، فتعيش عزلة في بيتها منذ بداية أزمة كورونا، ولم تعد تخرج إلى الشارع مطلقاً. وتؤكد لـ"العربي الجديد" أنّها تقضي يومها في غرفتها من دون أن تعرف شيئاً عن العالم الخارجي. من جهتها، تعاني بية البالغة من العمر 69 عاماً مرض السكري والتهابات، لذلك تخشى التقاط العدوى. وتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الوضع مخيف لكنّني مضطرة إلى الخروج إلى الشارع لقضاء شؤوني الخاصة"، موضحة أنّها تتخذ احتياطات كثيرة بحكم أنّ مناعتها ضعيفة. فإلى جانب تعقيم المنزل باستمرار، تحرص بية على تجنّب لمس الأسطح عند خروجها، مع تجنّب الأماكن المكتظة. بدورها تحاول سعاد الستينية تفادي التجمعات، موضحة لـ"العربي الجديد" أنّها حريصة على وضع الكمامة، فهى تخشى الإصابة بكورونا "إذ إنّ عمري وجسدي قد لا يحتملان المرض".
في سياق متصل، يقول رئيس قسم الطوارئ في مستشفى عبد الرحمان مامي في أريانة (شمال شرق)، رفيق بوجدارية، في لـ"العربي الجديد"، إنّه "في ظل العدوى السريعة وانتشار الفيروس، لا بدّ من استراتيجية واضحة وأهداف محددة للمقاومة، تقوم أساساً على الحدّ من الوفيات قدر الإمكان. ويكون ذلك عبر الحدّ من الإصابات، خصوصاً بين كبار السنّ والمرضى". ويؤكد بوجدارية "ضرورة التركيز على الوقاية الفردية والامتثال للتوصيات ووقف انتشار الوباء"، موضحاً أنّ "ثمّة آليات بسيطة يمكن اللجوء إليها للإحاطة بكبار السنّ والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، منها إلزام الذين تجاوزوا سنّ التقاعد والمرضى على الركون للراحة وصرف رواتبهم حماية لهم". يضيف بوجدارية أنّ "ثمّة جمعيات وناشطين في المجتمع المدني قادرون على مساعدة كبار السنّ لقضاء شؤونهم وتلبية احتياجاتهم وإلزامهم على البقاء في البيت من أجل حمايتهم والحفاظ على أرواحهم في انتظار الحصول على اللقاحات".