هكذا هجّر الاتحاد السوفييتي الشيشانيين والإنغوش من أرضهم

14 مارس 2024
ذكرى تهجير الإنغوش لا تزال حية (تييري موناسي/Getty)
+ الخط -

عاشت الشعوب المسلمة أوقاتاً عصيبة طوال التاريخ الروسي والسوفييتي، ولعل من أكثر الصفحات مأساوية تهجير شعوب تتار القرم والشيشان والإنغوش من أرضهم في عام 1944، بتهمة التعاون مع الاحتلال النازي إبان الحرب العالمية الثانية (1939- 1945).
لم يمنع التهجير الناس من الاحتفاظ بحبهم لأرضهم، ونقله إلى الأجيال الجديدة خلال سنوات غربتهم في آسيا الوسطى، وتصف الكاتبة الإنغوشية، إسيت تيركاكييفا، في قصتها القصيرة "التفاح"، مشاعر رجل وزوجته أجبرت عائلتهما على التهجير، وماتا في الغربة قبل عودة الأبناء إلى الوطن، قائلة: "كان كل يوم بذكريات الوطن الذي كان يشغل تفكيرهما دائماً، وكانا يتذكران القسوة التي حرما بها من مواقد بيوتهم". 
هذه القصة هي واحدة من نماذج عديدة لصور التهجير القسري في أدب شعوب القوقاز، والذين أجبرتهم السلطات السوفييتية قبل 80 عاماً على مغادرة أرضهم في الجمهورية الشيشانية الإنغوشية السوفييتية ذاتية الحكم، إذ بدأت عملية التهجير في 23 فبراير/شباط 1944، واستمرت لأسابيع، ليغادر نحو نصف مليون شخص منازلهم، وتترسخ حالة فقدان الثقة بين شعوب القوقاز وموسكو لعقود طويلة.
واتخذ الديكتاتور السوفييتي الراحل، جوزيف ستالين، هذا القرار العقابي بحق السكان بتهمة التعاون مع الاحتلال النازي بذريعة انشقاق بضعة آلاف من الجنود الشيشانيين عن "الجيش الأحمر" السوفييتي، ليصدر مسؤول الشؤون الداخلية السوفييتي، لافرينتي بيريا، أمرا بتهجير جميع الشيشانيين والإنغوش إلى جمهوريتي كازخستان وقرغيزستان السوفييتيتين آنذاك، ويبدأ الجنود السوفييت دق أبواب المنازل، ومنح أصحابها مهلة ساعتين فقط للاستعداد، ثم نقلهم إلى محطات السكك الحديدية على متن شاحنات.
وفي ظروف بالغة القسوة، جرى ترحيل نحو 334 ألف شخص خلال اليوم الأول وحده، وبحلول الأول من مارس/آذار من العام نفسه، تم تهجير 480 ألف شخص تقريباً، 387 ألفاً منهم شيشانيون، و91 ألف إنغوشي. وحسب الأرقام الرسمية، فإن 780 شخصاً قضوا خلال عملية الترحيل، فيما تم اعتقال أكثر من ألفي شخص باعتبار أنهم "عناصر معادون للسوفييت"، بينما لاذ نحو 6500 شخص بالفرار إلى الجبال.
وفي شهر مارس 1944، أصدرت رئاسة المجلس الأعلى للاتحاد السوفييتي مرسوماً بإنهاء وجود الجمهورية الشيشانية الإنغوشية، وتم استبدالها بدائرة غروزني، وهي العاصمة الحالية لجمهورية الشيشان، إضافة إلى تسليم بعض الأراضي لجمهوريتي جورجيا وأوسيتيا الشمالية.
بعد مرور ثمانية عقود، يعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيميونوف، أن تهجير الشيشانيين والإنغوش جاء بقرار شخصي من ستالين وبيريا في إطار حملة قمع طاولت كافة شعوب الاتحاد السوفييتي، بمن فيهم الروس أنفسهم، مستبعداً تهمة تعاون الشعب الشيشاني مع الاحتلال النازي.

يقول سيميونوف لـ"العربي الجديد": "كانت هناك فئات من سكان القوقاز تحمل مشاعر سلبية تجاه الشعب الروسي بالطبع، ولكن ينبغي النظر إلى المتسبب المباشر في ذلك، وهما صاحبا القرار ستالين وبيريا، وكلاهما من أصول جورجية، وقد تكون لهما دوافعهما الخاصة مثل تبني مواقف سلبية تجاه شعوب بعينها. لم تدخل قوات ألمانيا النازية أراضي الشيشان، ما يجعل من المستبعد أن يكون الشيشانيون كشعب تعاونوا معهم". ويضيف أن "القمع في عهد ستالين لم يقتصر على شعوب القوقاز، بل تعرضت له شعوب أخرى، بما في ذلك الروس أنفسهم، ومن أبرز حلقاته المجاعة في منطقة بوفولجيا، ومصادرة أملاك سكان سيبيريا. تسبب هذا النظام في معاناة لجميع شعوب الاتحاد السوفييتي، وقد بدأت ممارسة التهجير بالكوريين في أقصى الشرق".

ويجزم سيميونوف بأن هذه الأحداث التاريخية لا تؤثر على علاقة شعوب القوقاز مع موسكو حالياً، ويوضح أنه "في عهد نيكيتا خروتشوف الذي ندد بهذه الممارسات، استرد أبناء شعوب القوقاز أراضيهم وبيوتهم، وتم تصنيف أعمال نظام ستالين كخطأ أولاً، ثم كجرائم".
وتولى خروتشوف السلطة بعد وفاة ستالين في عام 1953، وفي المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي في عام 1956، وهو أول مؤتمر بعد وفاة ستالين، قدم تقريراً ندّد فيه بعبادة الفرد، وبجرائم ستالين وديكتاتوريّته، ما مهد الطريق لرد الاعتبار لمن تعرضوا لجرائم قمع. وفي عام 1957، بدأ الشيشانيون والإنغوش العودة التدريجية إلى أرضهم، كما تمت استعادة الجمهورية الشيشانية الإنغوشية، لكن العدالة الكاملة لم تتحقق سوى في عام 1989، حين صدر قانون رد الاعتبار لجميع الشعوب التي تعرضت للقمع.
بات الشيشانيون يحيون ذكرى تهجيرهم سنوياً في 23 فبراير من كل عام، قبل أن يقرر الرئيس رمضان قديروف تعديل الموعد إلى 10 مايو/أيار، ليكون يوم إحياء ذكرى جميع أحزان الشعب الشيشاني، بما فيها جنازة الرئيس الراحل أحمد قديروف، والذي قتل جراء انفجار في غروزني أثناء الاحتفالات بعيد النصر في الحرب العالمية الثانية في 9 مايو 2004. 

المساهمون