تواجه اليابان "معركة مع الزمن" للعثور على الأشخاص المتضررين جراء الزلزال الذي ضرب الساحل الغربي للبلاد بقوة 7.5 درجات على مقياس ريختر، إلا أن الخسائر المادية والبشرية تكاد تكون معدومة، ويعود السبب في ذلك، إلى الهندسة المعمارية للأبنية المقاومة للزلازل.
تقع اليابان في منطقة نشطة زلزالياً وهو ما دفع الدولة إلى تطوير قانون بناء خاص لجميع المباني بحيث تتحمل الزلازل. وقد أدى ذلك إلى تشييد بعض المباني الأكثر مقاومة للزلازل في العالم. بعد الحرب العالمية الثانية، قدمت الحكومة اليابانية سلسلة من التدابير لإجبار شركات البناء على إنشاء هياكل مقاومة للزلازل، بخاصة أن البلاد شهدت قبل ذلك، العديد من الزلازل التي أدت إلى مقتل الآلاف من المواطنين.
قوانين إلزامية
يفيد تقرير سابق لمجلة هاوسينغ جابان المتخصصة بالهندسة، بأن قانون البناء الياباني، يأخذ بالاعتبار، العديد من العوامل المختلفة مثل نوع التربة وعمق أساس المبنى وارتفاعه. كما يتطلب أن يكون للمباني هيكلا مرنا يمكنه التحرك مع الأرض أثناء وقوع الزلزال، بالإضافة إلى نظام لامتصاص صدمة الزلزال.
قانون البناء الياباني، يأخذ بالاعتبار، العديد من العوامل المختلفة مثل نوع التربة وعمق أساس المبنى وارتفاعه
ووفق القانون، فإن إحدى السمات الرئيسية للمباني اليابانية هي استخدام محامل العزل الزلزالي، والتي تسمح للمبنى بالتحرك أفقيًا أثناء وقوع الزلزال، مما يقلل الضغط على الهيكل ويقلل الضرر. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي العديد من المباني في اليابان على إطار خرساني مسلح، مما يوفر المزيد من الاستقرار والحماية ضد الانهيار.
وبحسب المصدر نفسه، فإن المعايير الأساسية من أجل تشييد أبنية مقاومة للزلازل تقوم على ما يلي:
- معيار تايشن Taishin
شين تايشين هو الاسم الذي أطلق على مراجعات قانون البناء التي تم إدخالها في عام 1981، والذي يطلب أن تكون العوارض والأعمدة والجدران أكثر سمكًا لتوفير المزيد من القوة ضد الزلازل. ويعد هذا المعيار، الحد الأدنى من متطلبات المباني المقاومة للزلازل في اليابان.
- معيار سيشين seishin
وهو المستوى الثاني من المباني المقاومة للزلازل في اليابان، يوصى باستخدام سيشين للمباني الشاهقة. ويستخدم المخمدات DAMPERS التي تمتص الكثير من طاقة الزلزال. بشكل أساسي، يتم وضع طبقات من الخرائط المطاطية السميكة على الأرض أسفل الأساسات، وبالتالي امتصاص الهزات.
- معيار مينشين Menshin أو نظام العزل:
هذا هو الشكل الأكثر تقدمًا للمباني المقاومة للزلازل في اليابان، والأكثر تكلفة. هيكل المبنى نفسه معزول عن الأرض بطبقات من الرصاص والفولاذ والمطاط والتي تتحرك بشكل مستقل مع الأرض الموجودة أسفلها. وهذا يعني أن المبنى نفسه يتحرك قليلاً جدًا - حتى أثناء الزلازل الشديدة، وغالبًا ما تستخدم طريقة البناء هذه في ناطحات السحاب والشقق الشاهقة.
أساسيات البناء
يفيد موقع جابان بروبرتي سنتر، في تقرير سابق، بأن هذه المعايير الثلاثة أساسية للبناء، لكن يمكن للمهندسين أيضاً، وبحسب موقع البناء والغرض منه، أن يعتمدوا دمج المعايير الثلاثة، واختيار ما يناسب من ميزات البناء، ومن أبرز الأدوات المستخدمة في الأبنية لمقاومة الزلازل:
- استخدام إطار فولاذي في قلب المبنى – على عكس الخرسانة، بالإضافة إلى الأعمدة الفولاذية بدلاً من الخرسانية، بحسب الدراسات، لكي تتمكن المادة من مقاومة الإجهاد والاهتزاز، يجب أن تتمتع بقدرة عالية على الليونة، ولذا، غالباً ما يتم تشييد المباني الحديثة باستخدام الفولاذ الهيكلي، وهو مكون يأتي في مجموعة متنوعة من الأشكال ويسمح للمباني بالانحناء دون أن ينكسر. كما يعد الخشب أيضًا مادة قابلة للسحب بشكل مدهش نظرًا لقوته العالية مقارنة ببنيته خفيفة الوزن. كما يقوم العلماء والمهندسون بتطوير مواد بناء جديدة تتمتع بقدر أكبر من الاحتفاظ بالشكل.
- استخدام البندول (pendulum) وهو جسم معلق من نقطة ثابتة بحيث يمكنه التأرجح ذهاباً وإياباً تحت تأثير الجاذبية. ومن أجل مواجهة التحركات الزلزالية في ناطحات السحاب المبنية حديثاً، يتم تثبيت البندول في الطوابق العليا. إذ تعمل عن طريق التأرجح تلقائياً عكس الحركة الناتجة عن الزلزال. والنتيجة هي انخفاض في التأرجح، وبالتالي انخفاض تأثير الحركة الزلزالية على المبنى.
- تركيب أدوات لامتصاص الصدمات بين مستويات المبنى، يتم وضع هذه الأدوات بشكل استراتيجي في هيكل المبنى للتحكم في اهتزازات الأرضية وإزاحة المبنى، وتوفير الراحة للإشغال والتخفيف من حدة الأحداث الزلزالية الكبرى. يتم امتصاص الطاقة الناتجة عن اهتزاز الأرضية وإزاحة المبنى بواسطة هذه الأدوات، وتبددها من خلال الطاقة الحرارية.
- استخدام الهياكل الشبكية للمساعدة في تحصين المبنى، بدلاً من مجرد مواجهة القوة الزلزالية، يقوم الباحثون في اليابان، بتجربة طرق يمكن للمباني من خلالها تحويل وإعادة توجيه الطاقة الناتجة عن الزلازل تماماً. يتضمن هذا الابتكار، الذي يطلق عليه اسم "عباءة الاختفاء الزلزالي"، إنشاء عباءة مكونة من حلقات بلاستيكية وخرسانية متحدة المركز ودفنها على الأقل 3 أقدام تحت أساس المبنى. وعندما تدخل الموجات الزلزالية إلى الحلقات، فإن سهولة انتقالها تجبرها على الانتقال إلى الحلقات الخارجية. ونتيجة لذلك، يتم توجيهها بشكل أساسي بعيدًا عن المبنى وتتبدد في الأرض.
الأبنية الجديدة
منذ العام 1981، بدأت اليابان باعتماد استراتيجية جديدة في البناء، وبحسب موقع طوكيو بورتفوليو، اليوم الثلاثاء، فإن أكثر من 90 في المائة من الأبنية في العاصمة والمناطق الكبيرة، تضم أبنية ذات هياكل مدعمة ومضادة للزلازل، تتطلب أن يكون لدى المباني هيكل مقاوم للزلازل. فضلاً عن استخدام العديد من الأدوات التي تساعد في امتصاص الزلازل، مثل الأعمدة والجدران والأرضيات.
ووفقاً للمصدر نفسه، فإنّه لتقليص الحركة الزلزالية، تُبنى جدران تخميد، تمتص الطاقة الزلزالية داخل الهيكل. وتقلل هذه الجدران من قوة الزلازل بنسبة 80 في المائة. كما أن الأبنية الحديثة، تستخدم أجهزة امتصاص الزلازل (العوازل) مثل المطاط الرقائقي الذي يمنع الحركات الزلزالية من الوصول إلى المبنى. تشتمل أجهزة امتصاص الزلزال على المطاط الرقائقي، والرصاص، والمحامل الكروية، علاوة على ذلك، تستخدم طرق البناء المبتكرة حديثاً مزيجاً من هذه المواد، إذ يمكن لهيكل العزل الزلزالي أن يقلل من شدة الزلازل بمقدار النصف بالمقارنة مع الهيكل المقاوم للزلازل.