أصدرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) أخيراً، تقريراً تناول هدر الطعام في العالم. ويُقصد بالهدر تعرّض الطعام إلى الخسارة في خلال أيّ من المراحل الأربع في سلسلة الإمداد الغذائي، وهي الزراعة وعمليات التجهيز وتجارة التجزئة والاستهلاك. يوضح التقرير أنّ ثلث الطعام الذي ينتجه الإنسان يُهدَر على شكل مخلّفات تتراوح قيمتها السنوية ما بين 750 مليار دولار أميركي وتريليون دولار على مستوى العالم. وهذه الأرقام الكبيرة المتعلقة بكميات المواد الغذائية المُهدرة كفيلة بسدّ جوع مليارَي إنسان من بين ثمانية مليارات يعيشون على كوكب الأرض، علماً أنّ رقم مليارَين يمثّل ضعفَي العدد المعروف عالمياً للسكان الذين يعانون سوء تغذية. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تصريف مخلّفات الطعام المُهدر تتسبّب في مشكلات بيئية عديدة، إذ إنّ التخلص منها يؤدّي إلى إنتاج أكثر من ثلاثة غيغا طنّ من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وهو ما تترتّب عليه أضرار وخيمة على موارد الحياة في البرّ والبحر.
على الصعيد المصري، لا تتوفّر دراسات حديثة لرصد هذه المشكلة الكبرى من أجل علاجها. ولعلّ أحدث الدراسات المعتمدة من قبل منطمة "فاو" الأممية تعود إلى عام 2013، وقد أتت تحت عنوان "تكلفة الجوع في مصر". وتذهب هذه الدراسة إلى أنّ آلاف الأطنان من الأغذية الصالحة للاستهلاك تذهب إلى مكبات النفايات، بدلاً من سدّ جوع الآلاف، خصوصاً الأطفال الذين يتسبّب سوء التغذية في وفاة نسبة كبيرة منهم تتراوح ما بين 35 في المائة و55 من إجمالي عدد الوفيات بينهم.
ومصر التي تجاوز عدد سكانها 100 مليون نسمة، تزداد حاجاتها الغذائية يوماً بعد يوم، وتعيش مشكلات سياسية معروفة، وتشهد أسواقها ارتفاعاً متزايداً في الأسعار، كذلك تشهد انخفاضاً في الرقعة الزراعية وتهديداً للموارد المائية مع البدء في ملء خزان سدّ النهضة، وبالتالي تزداد معدّلات الفاقد والهدر الغذائي فيها بشكل كبير جداً. وقد حذّرت "فاو" من وصول الفاقد والهدر من الخضروات والفاكهة في مصر إلى نسبة تتراوح ما بين 45 في المائة و55 من الإنتاج السنوي، في حين يبلغ الفاقد والهدر من الأسماك 40 في المائة، ومن الألبان 30 في المائة، وتصل كمية الخسائر للأسباب ذاتها من القمح إلى 1.5 مليون طنّ سنوياً، وإلى 650 ألف طنّ من الذرة، و350 ألف طنّ من البنجر، لتبلغ خسائر الأغذية 11 مليون جنيه مصري (نحو 700 ألف دولار أميركي) سنوياً.
في محاولة للتوقّف عند السلوكيات المرتبطة بهدر الطعام في مصر، نشر موقع "ريسرش غييت" استطلاعاً استكشافياً للنفايات المنزلية بيّن مستويات مرتفعة من هدر الطعام، علماً أنّ العيّنة أتت عشوائية وشملت 181 مواطناً ما بين ذكور وإناث، بمعظمهم دون 44 عاماً ولديهم مستوى تعليم عالٍ. يُذكر أنّ أكثر المنتجات الغذائية المُهدرة كانت الفاكهة والخضروات والحبوب والمخبوزات. وقد أفاد 13.8 في المائة منهم فقط بأنّهم لا يرمون أيّ طعام، في حين كشف 42 في المائة أنّهم يلقون أسبوعياً على أقلّ تقدير 250 غراماً من الطعام الصالح للاستهلاك. أمّا 75.7 في المائة منهم فأشاروا إلى أنّ نسبة الهدر تزداد في شهر رمضان الذي يرتبط بكثرة استهلاك الطعام، على الرغم من أنّه شهر الصيام، في حين ذكر 21.5 في المائة أنّ القيمة المالية للأطعمة المُهدرة كلّ شهر تتجاوز ستّة دولارات. وذكر 44.2 في المائة من هؤلاء أنّهم ينجذبون إلى العروض التجارية لشراء الطعام، وقد أكد 33.1 في المائة من المستجيبين لتلك العروض أنّهم ينجذبون إليها حتى لو كانت صلاحيات المنتجات قد أوشكت على نهايتها، أو هم لا يلتفتون إلى تاريخ الصلاحية في خلال عملية الشراء.
تجدر الإشارة إلى أنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة اختارت في دورتها الرابعة والسبعين في عام 2019، يوم 29 سبتمبر/ أيلول يوماً عالمياً للتوعية بالفاقد والمُهدر من الأغذية. وكان من الأهداف الرئيسية لفعاليات الدورة الأولى لهذا اليوم المقام في 2020، التشديد على عدم جواز فقدان الغذاء وهدره في هذه الفترة من الأزمة، لأنّ جائحة كورونا تمثّل جرس إنذار لإعادة التفكير في الطريقة التي ننتج بها طعامنا ونتعامل معه ونهدره، بالإضافة إلى أنّ الحدّ من خسائر الأغذية وهدرها يشكّل وسيلة قوية لتعزيز نظمنا الغذائية. كذلك فإنّ الابتكار والتكنولوجيات والبنى التحتية هي أمور حاسمة لزيادة كفاءة النظم الغذائية والحدّ من الفاقد والمُهدر من الأغذية، وينبغي أن تسعى التدخلات العامة إلى تيسير الاستثمارات في الحدّ من الفاقد والمُهدر من الأغذية من قبل القطاع الخاص، في هذه الفترة الحرجة خصوصاً. يأتي كلّ ذلك إلى جانب ضرورة صياغة نماذج مبتكرة للأعمال التجارية بمشاركة القطاع الخاص، وضرورة تبنّي مسارات جديدة لتمويل هذه النماذج من أجل وقف الفاقد والمُهدر من الأغذية.