هجرة المدارس الخاصة في السودان

04 مارس 2021
في إحدى مدارس الخرطوم (محمود حجاج/ الأناضول)
+ الخط -

تركَ أكثر من 17 ألف تلميذ في الخرطوم التعليم الخاص، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة والرسوم المرتفعة، ليلتحقوا بالمدارس الحكومية، وسط تحذيرات من التأثيرات السلبية لذلك على العملية التعليمية. وذكرت وزارة التربية والتعليم في ولاية الخرطوم، أن 12 ألفا من أصل 17 ألف تلميذ كانوا قد تركوا المدارس الخاصة في العام الماضي، والبقية في العام الحالي، لينتقلوا إلى التعليم الحكومي. وبدأت المدارس الخاصة تفتح أبوابها في المدن منذ تسعينيات القرن الماضي، مع تراجع مستوى المدارس الحكومية لناحية البيئة المدرسية، وازدحام الفصول، وقلة عدد المعلمين، وعدم توفر الكتاب المدرسي.وفي الخرطوم، يوجد نحو 12 ألف مدرسة خاصة وروضة أطفال، ويعمل في المدارس الخاصة نحو 300 ألف من أساتذة وموظفين وإداريين. ولعبت هذه المدارس دوراً كبيراً في رفع المستوى الأكاديمي، في ظل إهمال المدارس الحكومية. وكان خريجو هذه المدارس يتنافسون في ما بينهم لحجز مقاعد في الجامعات، خصوصاً في الكليات العلمية مثل الطب والهندسة والصيدلة.
ومنذ العام الدراسي الماضي، رفعت المدارس الخاصة الرسوم الدراسية أكثر من 400 في المائة، وكذلك رسوم وسائل النقل في ظل أزمة الوقود، الأمر الذي لم تتحمله العديد من العائلات. ونظم بعضها احتجاجات أمام وزارة التربية والتعليم، للاعتراض، قبل أن ترضخ في النهاية للأمر وتلحق أبناءها بالتعليم الحكومي.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

سعيد أبو محمد، أب لثلاثة تلاميذ يدرسون في مدرسة خاصة، يقول لـ "العربي الجديد" إنه فوجئ مثل غيره من أولياء الأمور بفرض 50 ألف جنيه (نحو 900 دولار) على التلميذ سنوياً، بالإضافة إلى 6 آلاف جنيه (نحو مائة دولار) في الشهر الواحد بدل مواصلات. في النتيجة، وجد نفسه في حاجة إلى مبلغ كبير. علماً أن راتبه لا يتجاوز الـ 7 آلاف جنيه (نحو 120 دولاراً) شهرياً، الأمر الذي دفعه إلى نقل أبنائه إلى مدرسة حكومية.
ويوضح أبو محمد أنهم اتفقوا كمجلس آباء على تحسين البيئة المدرسية وتحفيز المعلمين وتأمين الكتب والصيانة الدورية، وصولاً إلى التشجير، من خلال ما يجمعونه في ما بينهم من أموال، من دون انتظار الحكومة.
في هذا السياق، يقول الصحافي لحيدر المكاشفي إنه نقل ابنه إلى مدرسة حكومية بسبب عدم قدرته على تأمين رسوم التعليم الخاص، إلا أن ابنه لم يحتمل البقاء فيها نتيجة للفوضى وعدم الانضباط والبيئة المدرسية السيئة، فاضطر لإعادته إلى المدرسة الخاصة. ويقول المكاشفي لـ "العربي الجديد" إن العائلات السودانية تعاني بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء أسعار السلع والخدمات، وبالتالي هي غير قادرة على إضافة أعباء جديدة، لذلك لجأت إلى المدارس الحكومية.

طفلان في باحة إحدى المدارس (محمود حجاج/ الأناضول)
طفلان في باحة إحدى المدارس (محمود حجاج/ الأناضول)

ويشير إلى أنه على الرغم من حديث الحكومة الانتقالية عن اهتمامها بالتعليم الحكومي، وزيادة الميزانية المخصصة له، إلا أن الواقع يشير إلى أن التعليم الحكومي ما زال يعاني، بسبب نقص المعلمين وبعض الأمور الأساسية في المدرسة، وعدم توفر أبسط المقومات، مشيراً إلى أنه سيكون لتلك الهجرة تأثيرها على المدارس الخاصة والعملية التعليمية برمّتها، وربما ترتفع نسبة التسرب المدرسي.
من جهته، يقول أبوذر مبارك طه، وهو عضو في اتحاد المدارس الخاصة، إن عدد التلاميذ الذين تركوا تلك المدارس أكثر مما أوردته وزارة التربية والتعليم، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن الوزارة حجبت معلومات أخرى تتعلق بعدد الذين هجروا التعليم الحكومي والتحقوا بالتعليم الخاص. ويرى أن في ذلك دلالة على استمرار تدهور التعليم الحكومي. ويشير إلى أن الرقم 17 ألفا لا يقارن مع الرقم مليون تلميذ الذين يدرسون في المدارس الخاصة، موضحاً أن الأسر متمسكة بالتعليم الخاص من أجل أبنائها، رغم الظروف الاقتصادية الحالية. يضيف لـ "العربي الجديد": "حتى الرسوم التي يشكو منها البعض تدفع بالتقسيط المريح"، مؤكداً على استمرارية رسالة التعليم الخاص، حتى في ظل المشاكل التي تواجهه من ضرائب ورسوم تفرضها الدولة وتصل إلى أكثر من 16 رسماً، والتعامل معها على أساس تجاري في رسوم الكهرباء والمياه والنفايات، بالإضافة إلى وجود تشريعات غير منصفة، وعدم تشجيع الدولة للتعليم الخاص.

إلى ذلك، يرى الخبير التربوي عبد المنعم البيتي، أنه يتوجب على المدارس الحكومية استعادة دورها، خصوصاً بعد نجاح الثورة السودانية، لأن تجربة المدارس الخاصة، ورغم إيجابياتها الكثيرة وجودة خدماتها، إلا أنه يتخللها العديد من السلبيات، أهمها خلق فوارق اجتماعية وتعليمية أثرت على القبول في الجامعات، وعلى فرص التوظيف مستقبلاً. كما أن المدارس الخاصة تركز على الربح المادي وتحقيق أعلى نسبة من الأرباح، أكثر من الاهتمام بالعملية التعليمية والتربوية، وغالبيتها لا تحفظ حقوق المعلمين.
ويوضح رئيس لجنة المعلمين ياسين عبد الكريم، أن الدولة وضعت بالفعل خطة طموحة وموازنة كافية نسبياً لدعم المدارس الحكومية، مشيراً، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أنه من أولوية تلك الخطة هو تأهيل المدارس الحكومية وتوفير الكتب المدرسية ووجبة مدرسية مجانية، وتعيين دفعات جديدة من المعلمين لسد النقص الموجود، وتدريبهم وتهيئتهم للسفر إلى الخارج. ويشير عبد الكريم إلى أن تنفيذ تلك الخطة سيتم بواسطة الدولة، ومجالس آباء المدارس، ولجان الخدمات والتغيير في الأحياء، بالإضافة إلى لجان المقاومة السودانية، مؤكداً أنه في حال نجاح تلك الخطط، ستمزق الأسر السودانية الفواتير التي ظلت تدفعها سنوياً للمدارس الخاصة.

المساهمون